فينيامين بوبوف

رئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية الروسية

يشهد العالم الحديث انزياحاً في مركز القوّة نحو منطقة «المحيط الهادئ الآسيوي»، وكانت هذه الظاهرة قد اتضحت بجلاء خلال اجتماع المنتدى الدولي الثاني الذي استضافته بكين تحت شعار «حزام واحد، طريق واحد» في الفترة الممتدة بين 25 و27 أبريل الفائت، وشارك في هذا المؤتمر رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين، الذي أشار إلى أن الشعوب ذات الثقافات والأديان والعادات والتقاليد المختلفة، والتي تستوطن المساحات الشاسعة من أوروبا، عرفت كيف تتعايش وتتآلف فيما بينها خلال آلاف السنين.

وخلال التاريخ الطويل لقارة أوروبا، كانت هناك حروب وصراعات ولكنها كانت تتحول بمرور الوقت إلى شيء من الماضي، وكان الإحساس العام والعفوي لتلك الشعوب بضرورة السعي نحو التسامح وتحقيق السلام هو الذي ينتصر ويسود في آخر المطاف.

وتهتم روسيا بإقامة علاقات أكثر متانة مع كل الشركاء الأوروبيين على أساس المبادئ الثابتة لاحترام الحقوق السيادية والمصالح الشرعيّة لكل بلد، وتطبيقاً لهذه المبادئ ذاتها، ومن خلال العمل مع شركائنا في أرمينيا وروسيا البيضاء «بيلاروس» وكازاخستان وقرغيزستان، قمنا بتأسيس«الاتحاد الاقتصادي الأوروبي - الآسيوي» Eurasian Economic Union، وتنطلق روسيا من الحقيقة التي تفيد بأن المشروع الصيني (حزام واحد، طريق واحد) من المؤمّل أن يساهم في تمتين العلاقات الخلاّقة لدول أوروبا الآسيوية «أوراسيا».

وقبل نحو مئة عام، تنبأ المستكشف الجغرافي الإنجليزي السير«هالفورد ماكيندير» بأن «المنطقة الأوراسية» سوف تحتل مركز الثقل السياسي العالمي، وستتحكم بالعديد من مفاتيح النمو والتطور الاقتصادي العالمي.

ويكون من المهم أن نضع تصوراً دقيقاً للمخاطر التي يمكن أن تنجرّ عن تفتيت أنظمة السياسة الدولية وشرذمة الاقتصاد العالمي وتكنولوجيا الفضاء.

ويكمن الخطر الآخر بتشجيع الإجراءات الحمائية في التجارة الدولية، التي تمثل الهيئة الأكثر خطورة لسياسة فرض القيود على النشاط التجاري والتشجيع على إشعال الحروب التجارية العالمية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


وتعتقد موسكو بأن العمل المشترك وحده هو الكفيل بمواجهة التحديات الصعبة مثل التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد العالمي، والفجوة المتسعة التي تفصل بين مستويات معيشة شعوب البلدان المختلفة، والتخلف التكنولوجي لبعض الأمم، وهذه المؤشرات السلبية هي التي تؤدي إلى تشكيل البيئة الخصبة للإرهاب والتطرف الديني والهجرة غير الشرعيّة، وتؤدي إلى اندلاع الصراعات المحلية والإقليمية ذات الأسباب القديمة والحديثة.

وتصلح «أوراسيا» لأن تشكل مثالاً جيداً عن الخطة الإيجابية الهادفة لحل المشاكل المذكورة سابقاً، بالإضافة للعديد من المشاكل الدولية الملحّة الأخرى.

وتفترض موسكو أن لمشروع «توسيع الشراكة الأوراسيّة» جنباً إلى جنب مع المشروع الصيني «حزام واحد، طريق واحد»، جذوراً مشتركة مبنية على المبادئ والقيَم المعترف بها دولياً ومنها: الرغبة المشتركة للشعوب في الحياة بسلام وانسجام حتى تتمكن من التطور والتقدم والإبداع في المجالات العلمية والتكنولوجية الحديثة، مع الحفاظ على ثقافتها وانتماءاتها الروحية والعقائدية بحرية مطلقة، وبمعنى آخر، أن نكون متّحدين على أساس احترام المصالح الاستراتيجية المشتركة طويلة الأمد.