د.سليم قلالة

بعد نجاح الصين، ولمدة ست سنوات، في إنجاز أكثر من 270 مشروعاً في إطار مبادرة «الحزام والطريق»، وبعد قيامها بتوقيع 173 وثيقة تعاون مع 120 دولة تضم 82 منطقة صناعية أثناء انعقاد المنتدى الثاني لهذه المبادرة في العاصمة بكين ما بين 25 و27 أبريل الماضي، هل نستطيع القول أن تَبدُّلاً كُلِّيا في مفهوم الجيو ـ استراتيجية قد بدأ؟ تقوم الرؤية الجيو ـ استراتيجية التقليدية على أن الهيمنة عل أقسام من الجغرافيا ذات أهمية تؤدي بالضرورة إلى الانتصار التام، وقد بنى هالفورد ماكندر Halford Mackinder - أحد مؤسسي الجيوبوليتك، وهو العلم الذي يفسر العلاقات الدولية على أساس المواقع الجغرافية لمختلف البلدان ـ نظريته على هذا الأساس عندما أشار إلى أنّ مَن سيطر على ألمانيا سيطر على أوروبا، ومَن سيطر على أوروبا سيطر على أوراسيا، ومَن سيطر على أوراسيا سيطر على العالم.

وصدَّق نظريته هذه هتلر، وانهزم في الحرب العالمية الثانية، وصَدَّقها الاتحاد السوفياتي سنة 1979 وخرج مُفكَّكاً بعد غزو أفغانستان، وصدَّقتها الولايات المتحدة الأمريكية وها هي اليوم تجد خصمها الأول يُحيط بالمنطقة من كل جانب، بخط الحرير البحري وبحزام الطريق البري، ويجرها نحو الانهزام.

نحو 1.5 تريليون دولار مخصصة لهذا المشروع الضخم.. لا يعتمد على الجيوش ولا على القتال الحربي، إنما على وسائل أخرى عنوانها (6 أروقة و6 طرق).. لا مجال هنا للمغامرة، خطوط حديدية من الصين إلى اللاوس، تايلاندا، بلغراد ولوكسمبورغ، فلندن أخيراً.. وموانئ بحرية من الصين إلى غوادار بباكستان، فكينيا فدويسبورغ بألمانيا.. عاكسة تماماً اتجاه سهم النظريات التقليدية: بدل التوجه من الغرب إلى الشرق، ها هو السهم يتجه من الشرق إلى الغرب، مقدّمة مفهوماً شرقياً للاستراتيجية قائم على البناء والتعاون لا الحرب والقوة العسكرية، شغَّل لحد الآن أكثر من 300 ألف من الفقراء، وبنى الجسور والمرافق.

لذا خافت الولايات المتحدة، واعتبرت أن المشروع سيضع شعوباً تحت هيمنة قوة صاعدة جديدة وسيُثقلها بالديون، ولم تشارك سوى إيطاليا عن مجموعة السبع (القوى الكبرى في العالم) في لقاء بكين الأخير.

وبدل أن تتردد الصين، خلافاً لذلك نظَّمت يوم 11 أبريل الماضي أياماً قبل افتتاح المنتدى، ومعرضاً بعنوان «كنوز من المتاحف الوطنية على طول طريق الحرير» ضم 13 دولة.. وكأنها تقول: بيني وبين هذه الشعوب تاريخ وثقافة وكنوز أخرى، بل روح لا تدركون كنهها، هي وحدها التي تجعلنا ندرك عمق عبارة «الجيو ـ استراتيجية بروح شرقية».

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟