وفاء صندي

كاتبة سياسية وباحثة ـ المغرب

في رمضان كل شيء مميز وبنكهة روحانية خاصة نفتقدها طوال العام، ولشهر الصيام في عقيدة المغاربة مكانة كبرى وقدسية لا يشغلها سواه من شهور السنة، فانفتاح المغرب على أوروبا لم يمنعه من الحفاظ على عاداته وطقوسه وتشبثه بموروثه الديني الذي ترسخ عبر القرون، منذ أن دخل الإسلام إلى المغرب الأقصى على يد عقبة بن نافع.

ويبدأ استعداد المغاربة لاستقبال شهر رمضان في وقت مبكر، حيث يتم صيام بضعة أيام من شهر شعبان الذي يبشر باقتراب رمضان. وما أن يهل هلال هذا الشهر الكريم حتى تنطلق الألسنة بالدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، فتجد الناس يتبادلون التبريكات والزيارات تبرُّكاً بشهر الرحمة والمغفرة.

وطيلة الشهر الكريم تقام الدروس الدينية في المساجد بعد صلاة الظهر مباشرة، وبعد صلاة العصر يجتمع المصلون لـ «لقراءة الحزب» بشكل جماعي كما جرت العادة في المغرب الذي يأخذ بالمذهب المالكي.

ومنذ أوائل ستينات القرن الماضي إلى اليوم، أصبحت «الدروس الحسنية الرمضانية» تقليداً سائداً، سنّه الملك الراحل الحسن الثاني، وورثه عنه الملك محمد السادس، حيث يرأس ملك البلاد هذه الدروس بحضور كوكبة من العلماء والمشايخ والدعاة والقراء وأصحاب الفكر والثقافة من المغرب وخارجه، طيلة أيام شهر رمضان، وتختار نخبة منهم لإلقاء دروس دينية أمام الملك، بحضور رئيس الحكومة ووزرائه، ورئيسي غرفتي البرلمان، وكبار رجال الدولة، ومسؤولي الجيش والأمن والبعثات الدبلوماسية للدول الإسلامية في الرباط.

اما خلال صلاة العشاء والتراويح فتملأ المساجد بصفوف المصلين من كل الأعمار، وبعد الصلاة تفتح المسارح ودور الشباب والمراكز الثقافية أبوابها أمام أمسيات دينية وفنية عديدة، حيث مسابقات تجويد القرآن والمديح وغيرها من الأنشطة الثقافية.

رمضان في المغرب يتميز أيضاً بالزي المغربي الذي يحاكي روحانيات هذا الشهر، حيث تتألق الأزياء التقليدية التي باتت علامة هوية وأيقونة تحيل على البلد وأهله، وتتنوع أذواق الرجال والنساء في ارتداء الجلباب المغربي بألوانه وتصميماته المتنوعة التي واكبت العصر وجمعت بين الأصالة والمعاصرة.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


وفي المغرب، كما في بقية الدول العربية، وعلى الرغم من وجود بعض الحالات الدخيلة على مجتمعاتنا وتقاليدنا، لكن السمة الرئيسة أنه خلال هذا الشهر تتعزز مظاهر التدين، وتزدهر مشاريع الخير والإنفاق على الفئات المحتاجة، وتتعزز صلات الرحم وكل العادات الجميلة التي نفتقدها خارج هذا الشهر.

«الدروس الحسنية الرمضانية» في المغرب تقليد سائد سنّه الملك الراحل الحسن الثاني.