عمر سيف غباش

منذ نعومة أظافري، ترددت على مسامعي النصيحة نفسها من فئات مختلفة من الناس، نصيحةٌ تحثنا على أهمية التركيز على دراسة المواد العلمية والتميز بها، وكانوا يقصدون بذلك مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الكمبيوتر.

وأفترض وجود سببين، على الأقل، يدعمان فكرة ضرورة التركيز على دراسة المواد العلمية من دون سواها: السبب الأول هو أن التركيز على المواد العلمية يؤهلك لدراسة تخصصات كالطب أو الهندسة كي تضمن لنفسك وظيفةً ثابتةً مرموقةً، وبالتالي تضمنُ دخلاً مادياً جيداً يعينك على إعالة أسرتك، وهذه نظرة تقليدية قديمة بعض الشيء تحتاج إلى تهذيب وتجديد.

أما السبب الثاني، والذي غالباً ما ينوّه به صنّاع السياسة، هو أن التركيز على دراسة المواد العلمية من شأنه أن يولّد قيمة اقتصادية أكبر، حيث ترتبط المواد العلمية بتطوير منتجات استهلاكية وبناء البنية التحتية مثل شق الطرق وبناء الجسور وتشييد المباني، أضف إلى ذلك أنها تترافق مع مشاعر من الحماس نحو خلق وابتكار التقنيات الحديثة، فربما سيصبح بمقدورنا ابتكار وصناعة السيارة التي تلي السيارة الكهربائية «تيسلا»، أو ابتكار قمر صناعي أو صاروخ أكثر تطوراً، وكل هذه الأسباب تعتبر أسباباً وجيهةً ومهمةً تدعونا لتشجيع تعلم المواد العلمية.

وبالمقابل، نادراً ما كنت أسمع الآباء والمدرسين وإدارة المدرسة وصنّاع السياسة يتحدثون عن أهمية دراسة التخصصات الأدبية مثل: علوم الآداب الإنسانية أو التاريخ أو اللغات أو الجغرافيا أو الفلسفة أو علم النفس.

كنتُ قد انجذبتُ إلى المواد الأدبية في صغري، ولم أكن أهتم كثيراً بالمواد العلمية، وبدا لي أن كل الكبار الذين تواصلت معهم آنذاك لا يكنّون مشاعر الاحترام للتخصصات الأدبية؛ ففي المدرسة كانت النظرة إلى طلبة التخصصات الأدبية أنهم أقل جديةً وذكاءً من زملائهم، أما المدرسون فلم يُبدوا أي اهتمام حقيقي بتدريس المواد الأدبية باعتبار أن الطلاب لا يستحقون وقت المدرسين وجهدهم.. ربما كانت ذاكرتي تخدعني، لكنّي على يقين من أن كل الاحترام كان من نصيب طلبة المواد العلمية.

وعلى الصعيد الشخصي، تمكنت من حل هذه المعضلة من خلال دراستي لِكلا المسارين في الوقت نفسه، حيث درست المواد العلمية كي أحظى بالاحترام، ودرست العلوم الإنسانية بدافع الرغبة والحماس.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


واليوم أنصح أولادي بدراسة التخصص الذي يهمهم، سواءً كان تخصصاً أدبياً أو علمياً، فواجب الطالب الأكثر أهمية هو أن يتمكن من تكوين منظوره الخاص عن العالم، وأن يتعلم كيفية طرح أسئلته والحصول على إجابة عنها، وتعلم كيف يمكن تبسيط الأمور المعقدة، وكيفية وصف العالم باستخدام علوم الرياضيات أو علوم الكلمات.. إن أهم ما تجب معرفته هو كيف تتعلم وكيف تتفوق في التخصص الدراسي الذي اخترتَه.