حلمي النمنم

وزيرالثقافة المصري السابق ـ مصر

يجيد الساسة الغربيون صك المصطلحات، ثم نتسابق نحن في ترديدها وتبنِّيها، دون أن ندقق فيها ونبحث مدى مصداقيتها، من ذلك - مثلا - مصطلح " ربيع دمشق” عقب تولى الرئيس بشار الأسد في سوريا باعتباره الرئيس الشاب، ذو التعليم المدني الحديث والتربية الإنجليزية بخلاف والده الراحل، وصدرت عدة كتب وعقدت الندوات والمؤتمرات تحت تلك اللافتة، وأثبتت الأيام والسنوات كذب ذلك المصطلح؛ قل الشئ نفسه بالنسبة لمصطلح "الربيع العربي”، وتأمل ما جرى في ليبيا وسوريا واليمن.

والآن نعيش فوبيا مصطلح " صفقة القرن”، وكثر الحديث عنها باعتبار أنها حقيقة واقعة وأمر مفروض علينا، وتنافس المحللون في كشف أسرارها وخباياها، وراح البعض يقسم بأغلظ الإيمان أن جزءاً من سيناء ضمن هذه الصفقة؛ ونسي كثيرون أن هذا التصور قيل من قبل كثيرا وطرحته الحركة الصهيونية حتى قبل صدور "وعد بلفور” ورفضته مصر، ثم أعيد الطرح على الرئيس السابق مبارك ورفض، بل إن أحد أسباب قيام ثورة 30 يونيو، هو قبول المعزول محمد مرسى التباحث في هذا الأمر، كل ذلك جريا وراء مقولة "صفقة القرن” دون أن ننتبه إلى أن المصطلح مغلوط؛ وإن شئنا الدقة "مكذوب".

الصفقة تعنى اتفاقا تم بين طرفين، ويبدأ التنفيذ على الأرض، واقع الحال يقول: أنه لم يتم الاتفاق على أيّ شىء. ولم يجلس الطرفان معا وحدهما، أو في وجود وسيط، أقصد الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي.

القرار العربي واضح، وهو أنه لا اتفاق ولا سلام بدون إقرار دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها "القدس الشرقية”، ولم تغير أى دولة عربية موقفها، الفلسطينيون لن يقبلوا بأقل من ذلك؛ الدول العربية حددت قرارها بقبول مبادرة الملك عبد الله بن عبدالعزيز في قمة بيروت سنة 2003، واعتبارها مبادرة عربية؛ أي الأرض مقابل السلام، ولا أرض بلا دولة، فلا سلام بلا دولة فلسطينية.

الحقيقة أننا لسنا بإزاء صفقة القرن، ولكننا أمام التصور الخاص لإدارة ترامب للسلام في المنطقة، وكل إدارة تقدم تصورها، وليس المهم عندهم أن يحل السلام، إنما المهم أن يكون هناك تصور مطروح للجدل؛ ويقوم المحللون العرب باجترار تلك الأفكار وترديد المصطلحات بزهو، والشجار حولها، واختلاق سيناريوهات للتنفيذ.. ليتنا نتريث وندقق في تبنِّي بعض المصطلحات الغربية في كل المجالات، وخاصة قضايانا السياسية والوطنية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟