عماد أحمد العالم

كاتب فلسطيني مقيم في السعودية

يُصر أغلب المؤرخين على أن الأديان المسبب الرئيس للحروب لما تحتوي عليه بين ثنايا قوانينها، التي تنسبها للإله، من نصوص مقدسة ينبغي الأخذ بها كمسلمات، فيما تعمل السلطات الدينية على تعزيز تلك القناعة باستنباطها الدليل اللاعقلي، الذي تستشهد به لضمان الطاعة والمشاركة.

في الكاثوليكية المسيحية مثلاً، قالت الكنيسة إنه يوحى لها من الروح القدس بالأوامر التي تحقق مشيئة الإله، فهي الوسيط بين عامة الشعب أو المؤمنين وبين الخالق الذي يتوجب إطاعة أوامره عبرهم، وهذا الدور الذي انتهجته الكاثوليكية بالاضطلاع بالوساطة لم يقتصر على الحرب، بل على مفهوم المغفرة عبر طقس الاعتراف وصكوك الغفران، التي تسببت بالانشقاق الثاني عليها بعد الأرثوذكسية، وتأسيس البروتستانتية لتغرق أوروبا بالاضطهاد الديني الأبشع في التاريخ الغربي بحجة الدين، وإن كانت أسباب أخرى كثيرة، أبرزها: سياسي استعماري تغلفت بها واستغلتها لاستمرار الزخم الضروري لإعطاء بشاعة الحرب والنهب والسلب والاعتداء والقتل الممنهج ما يبرره، في تضارب مع المبدأ الأسمى الذي دعا له المسيح عليه السلام «لا تدينوا لكي لا تدانوا» وقوله «الله محبة»....«وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم وباركوا لاَعِنِيكم».

هذا التغاضي عن دعوات رسول المحبة لم يكن فقط للمسيحيين أنفسهم، وإنما شمل المختلفين والأعداء، تم تجاوزها بتبريرات دينية قام على تحويرها وفق ما يخدم الغرض رجال دين استنبطوها وفسروها، وبتوافق مصلحي مع الأخلاقيين السياسيين (حسب تعبير الفيلسوف إيمانويل كانط)، الذين استغلوا مفاهيم الدين بخطابهم التعبوي (الواقعية السياسية) لتبرير حروب هي في الحقيقة سياسية ولكنهم روّجوا لها كدينية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟

لم يبتعد الإسلام كذلك عن كونه دين سلام وداعياً للمحبة ونابذاً للحرب إلا في حال الضرورة ووفق قوانينها، فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا»، ويقول الله سبحانه وتعالى «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» أهمل التاريخ كيفية إسهام الأديان في منع العديد من الحروب عبر الزمن، والتي جرى البعض منها بتكليفٍ انتقائي منها، مقابل القرن العشرين الذي شهد أوج اللادينية المادية والعلمانية المتسببة حروبها بعشرات الملايين من الضحايا، تفوق الناتجة عن سابقاتها عبر التاريخ أجمع!.