مالك العثامنة

مشاريع استشهاد! هذه عبارة بلاغية إنشائية ساذجة، وفارغة، وأرفضها بصراحة.. كما أنها عبارة كثيراً ما تنقذف في وجوهنا بعد أن نخسر ضحايا أبرياء في مواجهة الإرهاب المتطرف والأعمى، وبرأيي أن اعتماد تلك العبارة، وترسيخها في الوجدان الجمعي للناس ما هو إلا تحقيق ما يريده الإرهاب بالضبط.

الشهادة، في المفهوم الإسلامي، هي احتساب عند الله جل شأنه، وهو المطلق بقراره المطلق أن يختار ويصطفي من عباده من يكون شهيداً أم لا، وما علينا نحن البشر إلا أن نحتسب من نراهم أبطالاً أو ضحايا أبرياء شهداء عند الله، نحتسبهم ولا نقرر.

تلك فكرة خطيرة ومهمة تتسلل إلينا من التناسل التاريخي المتواتر للخوارج منذ عبدالرحمن بن ملجم، حتى ذلك الذي ورثته من تيارات التطرف الديني في عصرنا الحديث، وهي خطيرة، لأنها تقضي على فكرة الحياة، وهي جوهر الوجود بمنطوق الإرادة الإلهية بأن الله جاعل في الأرض خليفة، ليعمرها ويبنيها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ليس مطلوباً مني ولا منك ولا من أي إنسان أن يضحي بحياته في المبدأ.. إلا دفاعاً عن وجوده فقط، إنما المطلوب أن نوفر سبل الحياة، والعيش الكريم لكل إنسان فينا، إلى أن ينتهي أجله، وكل نفس بما كسبت رهينة.

فكرة مشاريع الاستشهاد مصطلح استحدثه الإخوان المسلمون في بدايات تكونهم الدموي، لتكون الفكرة على ما فيها من تخدير للوعي الإنساني جسراً فولاذياً يفضي بصاحبه إلى قبول استبداد المرشد ومن حوله، والذين هم خارج المشروع الاستشهادي كله، طلباً للسلطة بأي ثمن.

أنا ضد هذه البلاغة الساذجة، فنحن فعلياً مضطرون للدفاع عن أنفسنا ويفترض أن للدول جيوش مدربة ومنظمة ومنضبطة، وهذا لا يعني أن يكون طموحنا الموت أو الاستشهاد.. فهذه فكرة داعشية كارهة للحياة.. نحن مع أن نكون مشاريع حياة.. مشاريع مواطنة حرة.. مشاريع دول مدنية مؤسسية، ولكي نكون كل ذلك، ولكي تكون الحياة مشرعة، ومشروعاً ومشروعة لنا ولأبنائنا، علينا أن نكون مشاريع وعي أولاً.. وعي مدجج بالعلم الحقيقي والمعرفة المفيدة.. لا علوم الجهل ومعرفة الشعوذة.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


كلا.. لسنا مشاريع استشهاد.. بل مشاريع حياة.. وتلك حربنا مع كل فكر متطرف دموي إقصائي حتى نكون كذلك.