عمر سيف غباش

سفير الإمارات السابق في فرنسا

ما مدى أهمية التخصصات الأدبية مقارنة بالتخصصات العلمية؟.. نحن نعلم بكل تأكيد أن التخصصات العلمية تتيح لنا ابتكار أشياء يمكن استخدمها في حياتنا العملية، فنحن نُكِن كل الاحترام لعلماءٍ أتاحوا لنا قيادة سيارات أفضل، وتناول نوعية طعام أفضل، والتمتع بالعيش بمستوى أعلى بكثير مما عاش عليه الأقدمون قبل مئات السنين في أي مكان من العالم.. لقد قدّم لنا العلماء أشياء مادية ملموسة، وكذلك طرقاً لتنظيم تلك الأشياء بكفاءة وفاعلية مثل: برامج الكمبيوتر الذكية، التي تنظم حركة المرور أو تدير عمليات استئجار السيارات.

بالمقابل، فإنّ التخصصات الأدبية تلعب أيضاً دوراً مهماً في تكوين وتصميم الطريقة التي تعمل بها هذه الأشياء الملموسة في حياتنا، فعلى سبيل المثال، قد كانت توجد العديد من أجهزة تشغيل الموسيقى قبل ظهور جهاز آيبود «Ipod»، الذي قامت شركة آبل بتصميمه، آخذة بالاعتبار كيفية تفاعل البشر بكل رقي مع التحفة الجميلة، فقد تم استخلاصه من مبادئ الفنون وعلم النفس.

أضف إلى ذلك أنه من دون مخيلة مئات الكتّاب والمصممين والممثلين والممثلات، لما كان لدينا عالم من المحتوى الشيق الذي يبقينا على تواصل دائم مع تقنياتنا، فتخصصاتٌ مثل «كتابة القصص» و«إخراج الأفلام»، ليست من التخصصاتِ العلمية، إنما هي تخصصاتٌ نشأت من دراسة التاريخ وعلم النفس والأدب.

توجد مدن، مثل لندن، يعتمد اقتصادها على قطاع الفنون النابض بالحياة، ولا تعد التكنولوجيا المحرك الوحيد للثروة فيها.

في عالم الفنون، نجدُ الكتب ونقرؤها بعمقٍ وتمعنٍ لنثري عوالمنا الفكرية، فلقد غيّر ظهور الرواية الطريقة التي نَصِفُ بها العالَم من حولنا، ومع المزيد من التطور في القرن التاسع عشر وُلدت «الرواية النفسية» والتي أتاحت للقارئ أن يختبر مشاعر الشخص الآخر، كما يُعَدُّ الشعر وسيلة للتعليم والتسلية، وتتمتع كل هذه العلوم بقيمة عالية لدينا نحن البشر.

عندما نشاهد ملايين السيّاح يزورون دولاً مثل فرنسا ومصر، نُدرك أنهم على الأرجح يزورون الهياكل والأعمال الفنية التي بناها الأجداد، فكل جيل يعبِّرُ عن نفسه من خلال تصميماته المبتكرَة والمعقدة التي أنتجها خياله الفني آنذاك.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


إن التقدير الأفضل للفنون، والفهم الأعمق لمبادئها، ودعم الجمهور لها بكل تأكيد سيخلق قيماً رفيعة تثري حياة الناس، وربما أهم من ذلك كله هو أن مشاركة الفرد في الفنون، سواء من خلال الرسم العادي أو الزيتي أو القراءة او الكتابة، يمكن أن تكون مصدرَ كثيرٍ من الفرح والسعادة، ووسيلة للتعبير عن إبداع الناس وجمالهم الداخلي.