د. محمد المعزوز

باحث في الأنثربولوجيا السياسية ـ المغرب

انكشف تورط تركيا في تسليح الميليشيات في طرابلس ومصراتة لإيقاف زحف الجيش الليبي لاستعادة طرابلس، وذلك بخلاف التصريح الحكومي التركي الذي نفى بالقطع إمداده لتلك للميليشيات بأي دعم عسكري أو لوجستي تحيزاً لحكومة الوفاق، لكن تأكيد هذه الميليشيات نفسها على حصولها على أسلحة جديدة تم استلامها في مينائي طرابلس ومصراتة وحملتا عبر سفينتي شحن قادمتين من ميناء «سامسون» بشمال تركيا، تثبت أن تركيا متورطة في عملية سباق سياسي عسكري، ما يجعلها طرفاً مباشراً في الحرب والفوضى الناشبتين في ليبيا في أفق توسيع تدخلاتها في شمال أفريقيا كما هو مخطط له في أطماعها الاستراتيجية العامة.

إن التنافس الأيديولوجي والجيو ـ استراتيجي ما بين تركيا وإيران حول المنطقة جعل من تركيا ترتكب خطأ تكتيكياً فادحاً سيحرق كل أوراقها السياسية ونواياها في التنافس حول التموقع في المنطقة، فضلاً عن خرقها السافر لقرار مجلس الأمن الدولي الخاص بحظر الأسلحة المفروض على ليبيا بموجب الفصل السابع الصادر في عام2011.

أكثر من ذلك، هناك مؤشرات تؤكد ضلوع قطر بشراكة مع تركيا في عمليات تسليح هذه الميليشيات، إذ ذكر مركز الدراسات السويدي «نورديك مونيتور» في تقرير صادر في السنة الماضية، استناداً إلى وثائق سرية أن شركة «بي. أم. سي» تشتغل في إطار شراكة بين عضو في اللجنة التنفيذية لحزب العدالة والتنمية، وهو رجل الأعمال المسمى إيثام سانجاك، وممثلين عن الدولة القطرية الذين اشتروا من الشركة ذاتها - التي تملك فيها القوات المسلحة القطرية 49.9 في المئة - مصنعاً للدبابات بطريقة في غاية الغموض والسرية، وقد حذّر اللواء أحمد المسماري الناطق باسم الجيش الليبي من خطورة هذه الأسلحة في تقوية الميليشيات المسخرة من طرف حكومة الوفاق.

وذكرت دراسة صادرة عن المركز السابق نفسه: أن المشروع التركي في ليبيا ـ بأبعاده الإقليمية والجهوية ـ يقوم على خطة خلق بؤر للتوتر عبر تسليح الميليشيات، والتشويه الإعلامي للحقائق وبث الفرقة والتحايل على القانون الدولي والشرعية الدولية.

الخطير في الأمر أن الذي يحدث في ليبيا، في سياق التدخل التركي، شبيه بالمقدمات التي سبقت الفتن الكبرى في سوريا والعراق وغيرهما، والمثير في الأمر أن السجال الذي أثاره الرئيس التركي رجب أردوغان بعد العمليات العسكرية للجيش الوطني الليبي، لمَّا أعلن دعمه لحكومة فايز السراج، وتسلم هذا الأخير طائرات خاصة بعد أربعة وعشرين ساعة، وذخائر حربية بتقنيات عالية، لم يدفع الأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات عملية تناسب هذه الأخطاء الجسيمة، عدا اكتفاء الأمين العام للأمم المتحدة بتجديد دعوته لجميع الدول لتطبيق حظر السلاح في ليبيا، والتعبير عن قلقه إزاء عمليات تهريب الأسلحة.

أخيراً، يبقى السؤال الآتي: لمصلحة من تنشط تركيا وقطر بدعمهما للتطرف العنيف في ليبيا؟ وهل هي مقدمات لزعزعة استقرار شمال أفريقيا.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟