مارك لافيرني

باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط ـ فرنسا

في وقت يتصاعد فيه التوتر في قلب شبه الجزيرة العربية، وتتوالى فيه الأحداث الممهّدة لنشوب الحرب، تنشغل أوروبا بانتخاب برلمانها الجديد يوم الأحد المقبل، ويبدو أن طبول الحرب لا يُسمع لها أيّ صدى في بروكسل، ولا يبدو أنها كافية حتى لدفع الأوروبيين لإطلاق التعليقات أو طرح التساؤلات المتعلقة بها، لأنهم منشغلون بتسويق مواقفهم من القضايا والشؤون الأوروبية المحلّية.. فهل أصبحت أوروبا عمياء أم خرساء؟ أو: هل أصبحت تفتقد ببساطة للأدوات والآليّات السياسية اللازمة للتعبير عن مواقفها من القضايا الدولية؟

لعل من العجيب في هذا الوقت العصيب أن تدور كل الحملات الانتخابية هناك حول ظاهرة التغيّر المناخي ومشاكل الهجرة والنمو الاقتصادي والسياسات الاجتماعية، ولا يبدو أن أحداً من الأوروبيين يعي المدى الحقيقي لعبثيّة الجدل المحتدم حول هذه القضايا في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط بوادر حرب مدمرة.

قد يكون من الأجدى للسياسيين الأوروبيين أن ينتبهوا جيداً لدرجة ارتباط مصير أوروبا بمصير الشرق الأوسط، حيث لم يعد الأمر مرتبطاً بالنيات الاستعمارية الكامنة في مفارقات ومغالطات معاهدة سايكس بيكو، بل إنه يتعلق بالبحث عن أسباب ومقوّمات البقاء وتحقيق التنمية المشتركة.

ولا يمكن للاستقرار أن يتوطّد في أوروبا إذا كان الشرق الأوسط يعاني من مظاهر الاضطراب والتوتر، وكل المهاجرين الذين يؤرّقون الرأي العام الأوروبي أتوا بشكل أساسي هرباً من الحروب في سوريا وأفغانستان والسودان، ومن أجل النجاة بأرواحهم، وقد اتضح من مجريات الأحداث أن أوروبا ليست عاجزة فحسب عن وضع استراتيجية عامة لمساعدتهم، بل إنها عاجزة أيضاً حتى عن وضع الحلول المناسبة للأزمات التي دفعتهم إلى الهروب من أوطانهم.

ونتساءل: ألا يعتمد النمو الاقتصادي، الذي يُعدّ الشغل الشاغل للقارة العجوز، على التدفّق الحرّ للبترول والغاز من الشرق الأوسط، وبشكل خاص في وقت يواجه فيه هذا النمو تحديات مزدوجة من الولايات المتحدة والصين؟.. أليس التعاون في مجال تحقيق التنوع الاقتصادي والتطور الصناعي والتبادل الثقافي يمثّل مصلحة مشتركة في جميع المجالات الأخرى؟

توحي لنا هذه التساؤلات بأن سياسات أوروبا تتناقض تناقضاً صريحاً وغريباً، مع كونها الطرف الذي يجب أن يكون أكثر اهتماماً من الولايات المتحدة بإحلال السلم والرخاء في الشرق الأوسط، وبالرغم من كل هذا فإنها تبدو غير معنيّة على النحو الفعّال بتكريس مقوّمات الاستقرار الحيوي في المنطقة والدفاع عنها.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


ويكمن دليلنا على هذا التقاعس في أن الدول الأوروبية كلها لا تبدو غائبة ولا نائمة عندما يتعلق الأمر بتطوير صناعتها، والترويج لأسلحتها، وتوقيع عقود واتفاقيات التعاون، وحتى في إقامة القواعد العسكرية في بعض الدول باعتبارها رمزاً للتضامن والثقة المتبادلة، ولقد حان الوقت الآن لأن تمتنع هذه الدول عن تعامل بعضها مع بعض، وكأنها أطراف متنافسة وتتجاهل بذلك حاجتها الماسّة لبناء مجتمع متماسك وقوي، إذا أرادت أن تكون لها كلمتها المسموعة في لعبة توازن القوى، وأيضاً من أجل تأمين حاجتها المشتركة للسلام الإقليمي.