مالك العثامنة

أول أسس صناعة الترفيه أن تكون هويتها واضحة ومستندة إلى محليتها وجذوره

هناك حكاية صغيرة ومتداولة فحواها: حوار قصير جداً بين الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، والراقصة المصرية فيفي عبدة.. تقول الحكاية التي وقعت قبل نيل محفوظ لجائزة نوبل: إن الروائي الكبير التقى بموقف سيارات عام مع الراقصة التي كانت تهم بركوب سيارتها المرسيدس الفخمة، وعلقت بتهكم على سيارة محفوظ من نوع فيات القديمة قائلة باللغة المحكية: «شايف الأدب جابلك إيه؟» ليجيبها محفوظ فوراً مشيراً إلى سيارتها الفخمة «وشايفة قلة الأدب جابتلك إيه؟».

الحكاية التي قرأتها كثيراً، وتراوحت بين التصديق والتكذيب بناء على «أدب» وتهذيب نجيب محفوظ ـ رحمه الله - الشديد الذي يمنعه من الرد.. تذكرت هذه القصة، وأنا أنتقل خلال هذه الموسم الرمضاني بين القنوات العربية، والتي يصر أغلبها على أنه يقدم «صناعة ترفيه» بالمعنى الغربي للكلمة، وهو معنى احترافي في الغرب، ولا يتجاوز معناه في أغلب فضائياتنا العربية أكثر من قلة أدب، وإسفاف، وصراخ حاد وضجيج بلا محتوى.

صناعة الترفيه، صناعة ضخمة تدر الملايين، وينفق عليها الملايين، لأنها صناعة حيوية لها هويتها الخاصة في الغرب، ولكنها منزوعة من دسم الهوية في عالمنا، لذا فهي تراوح مكانها في الاستنساخ المشوه غير القابل للهضم أمام ذائقة سليمة عصية على التشويه، وهنا سر المعادلة التي يصر مدعوا صناعة الترفيه في عالمنا على استغفالها وتجاهلها، وأعني هوية المنتَج، هوية الترفيه كمنتج تحديداً.

مشكلتنا أننا نملك هوية فنية رفيعة المستوى، ذات أصالة، وذوقاً رفيعاً يحترمه العالم، ولا نملك إلا أن نلقي بكل ذلك، لننسخ هويات الآخرين فنجسدها لتكون المحصلة حالة بصرية وسمعية بلا طعم ولا لون ولا رائحة، تحشرها الفضائيات بساعات بث متخمة بالألوان والبهرجة، لتقذفها في وجوهنا في مناسبات موسمية تبلغ ذروتها في شهر رمضان الفضيل.

صناعة الترفيه أول أسسها أن تكون هويتها واضحة، ومستندة إلى محليتها وجذورها، ومن أكبر صناعات الترفيه خارج العالم الغربي، وفي قلب الشرق، تأتي الهند، في بوليوود وإنتاجها الترفيهي الضخم، والمتماشي مع ذائقة المجتمع هناك، لينطلق عالمياً بسهولة، وتصبح صناعة الترفيه الهندية كونية بامتياز.

ببساطة.. ليست لدينا صناعة ترفيه، إنما لدينا صناعة ترقيع، والأدهى أنها باذخة ومترفة، على الرغم من أنها لقيط بلا هوية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟