د. محمد المعزوز

باحث في الأنثربولوجيا السياسية ـ المغرب

جاء قرار انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوربي بعد استفتاء يونيو 2016، حيث عبر51.9 في المئة لمصلحة الانسحاب، وبعد أن تمت المفاوضات رسمياً في يونيو 2016 بغاية تحقيق اتفاقية الانسحاب في أكتوبر 2018، وتمَّ نشر مسودة اتفاقية الانسحاب والإعلان السياسي المتفق عليه بين حكومة بريطانيا والاتحاد الأوروبي. تحصين قرار الانسحاب جاء عبر تصويت مجلس العموم بأغلبية 432 صوتاً مقابل 202 صوت، وهي أول هزيمة برلمانية تعاكس الإرادة السياسية لحكومة بريطانيا في التاريخ.

نتج عن هزيمة معركة الخروج من الاتحاد الأوربي التي قادتها تريزا ماي، بدون جدوى، استقالتها من رئاسة الوزراء في سياق تقديرات سياسية لخصتها في «مصلحة البلاد»، وذلك بعد أن قدمت خطتها الجديدة التي وسمتها بالفرصة الأخيرة للخروج من المأزق، وهي الخطة التي شملت عشر نقاط، مع تنصيصها على الإبقاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الجمركي مؤقتاً وإعطاء النواب فرصة للتصويت بشأن إجراء استفتاء ثانٍ للانسحاب.

إن إخفاقها في نيل مصادقة مجلس العموم على خطتها للخروج من الاتحاد، يؤكد حقيقة ثابتة أصبحت ترافق نظام الحكم في بريطانيا، متمثلة في غياب كاريزما سياسية على شاكلة تشرشل قادرة على التأثير والإقناع ورأب الصدوع الداخلية.

لأن قوة القرار السياسي، سواء أكان صادراً عن البرلمان أو الحكومة، لا تتحقق عملياً ولا يأخذ معناه إلا عبر كاريزما سياسية لها قدر كافٍ من الحرفية في جعل هذا القرار مشتركاً ما بين الفرقاء والأطراف المتقابلة، وهذا ما لم يتسن لماي التي لم تستطع استقطاب رضا المعارضة ولا حتى حزبها، الذي انقسم حول ذاته، إذ صوت 75 منهم ضد خطتها، لذلك، فضلت أمام فشلها تقديم استقالتها.

في حالة عدم تولي مجلس العموم مسؤوليته بسرعة لتجنب أزمة محققة داخل البرلمان، ستستغل هذه الوضعية الأجنحة المتطرفة لتنقل الحكومة من أزمة تدبير ملف الانسحاب من الاتحاد الأوربي إلى أزمة سياسية داخلية، لها تبعات اقتصادية واجتماعية غير محمودة، وهذا ما دفع بعض السياسيين إلى طلب التعجيل بإجراء انتخابات عامة وإعادة التفكير في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، خاصة بعد تعقيد المسألة على إثر تصريحات رئيس المجلس الأوروبي دونالد توكس بتأكيده أن هناك احتمال خروج بريطانيا من دون صفقة، وهذا ما يثير كثيراً من المخاوف إزاء حجم الآثار السلبية السياسية والاقتصادية التي ستترتب عنها في حالة حدوث هذا الخيار.

إن احتدام السباق لخلافة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، مع تنافس مرشحين حتى الآن لشغل المنصب، يحدث من دون تقديم المتنافسين لتصور استراتيجي وسياسي بخصوص التدبير العقلاني والعملي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وهذا يعني أن تدبير هذا الملف سيظل معقداً وستحكمه تقديرات غير دقيقة ستجر بريطانيا إلى متاهات سياسية واجتماعية واقتصادية، تشكل مقدمة لمرحلة سيئة في المستقبل القريب لبريطانيا.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟