د. عبدالله الكمالي

باحث شرعي ـ الإمارات

قد تتغير قناعات الإنسان بمرور السنوات، فبعض المسائل لا تأخذ حكماً واحداً، فهي اجتهادية ينظر فيها للدليل، وقد تخفى جهة الدلالة في الدليل، فالأمر يتطلب مزيداً من البحث والمراجعة، ولكن الإشكال الكبير في تقلب القناعات الفكرية بدون سبب أو مبرر، فمن أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ومن المشرق إلى المغرب في مدة وجيزة، ولا يعرف لصاحب هذه التقلبات أنه أمضى وقتاً طويلاً في البحث والمراجعة.

بعضهم مال إلى التكفير والتفجير في مرحلة الشباب، فإذا به يناقش في أصل الدين والعبادات والقرب ويكاد يصرح بعدم قناعته بها وردها، وبعضهم ينتقل من ملازمة المسجد وقراءة القرآن وتعظيم السنة إلى الإلحاد والسخرية بالقيم والأخلاق والمسائل الشرعية.

كما نشاهد في أيامنا من يتبنَّى أفكاراً تدعو إلى سفك الدماء والخروج على الدولة والقانون، بعد أن كانوا على حال أخرى تماماً، فهذه التقلبات العظيمة تستدعي دراسة جادة للنظر في أسبابها ودوافعها، ومن أعظم أسباب هذه التقلبات ضعف الحصيلة العلمية وعدم امتلاك المتقلب لأدوات البحث والنظر، فهو يقرأ كل شيء ولأي أحد، وتمر الشبهة على قلبه ولا يملك إلا أن يسلم لها فهو لا يستطيع ردها، وهو أيضاً ينظر إلى غيره من أهل العلم والاختصاص نظرة ازدراء واحتقار فلا يراجع ولا يبحث المسألة معهم، فهم في نظره لم يبلغوا مبلغه من العلم، وهنا تكمن الكارثة، فقد يتبنى بعضهم أفكاراً شديدة التطرف بسبب موقف عابر أو كلمة سمعها من أحد الملبسين.

لذلك ينبغي التوقف عند التعامل مع شيء من الأفكار الجديدة، فقد يكون الفكر الجديد جميلاً موافقاً للحق فهذا أمر طيب وحسن، ويمكن إدراك الأمر بالمراجعة والبحث وأقوال أهل الاختصاص في الموضوع، وقد يكون بعض الأفكار الجديدة خطيراً جداً على دين الإنسان وفكره فالعاقل يحذر منها.

وينبغي الحذر من أصحاب التقلبات الفكرية الشديدة، فإنهم وإن أبدوا أحياناً عودة إلى طريق الصواب فعلينا أن نتابع مسيرتهم الفكرية، فهم بحاجة إلى التوجيه والنصح، وقد يتم استغلالهم مرة أخرى لتغيير أفكارهم وآرائهم.

ومع هذه التقلبات التي نراها في أيامنا خاصة علينا أن نسأل الله دائماً وأبداً الهداية والسداد والثبات على الحق والدين، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟