د. واسيني الاعرج

روائي وأكاديمي ـ فرنسا

هناك سرعة وتسرُّع، فالسرعة يفترض أن تكون مرتبطة بالثقة والقدرة، وبالتالي عدم تضييع الفرص، بينما التسرع هو الرغبة المجنونة للدخول إلى حلبة الكبار، من دون مؤهلات حقيقية.

أشرح الفكرة أكثر.. تتلقى الجوائز العربية الكبرى، مثل: جائزة الشيخ زايد، كتارا، البوكر للرواية العربية، جائزة الشيخ راشد، وغيرها، آلاف النصوص بدون مبالغة، وكلها تُجرب حظها في الفوز بالجائزة، وهذا حق لا نقاش فيه.. المشكلة أن المشاركات الروائية لا تحمل في الأغلب الأهم إلا العلامة الإجناسية: رواية، التي تؤهلها للقبول في مرحلتها الأولى على الأقل، وهي ليست كذلك مطلقاً.

يبدو أن وسائط التواصل الاجتماعي جعلت أمر الكتابة أمراً شديد السهولة، والكثير من الكتَبة (وليس الكُتَّاب) فهموا لعبة التواصل ضمن السوية العامة للمقروئية التي تعودت غالبيتها على السهل والمتداول، ناهيك عن غياب كلي للتحرير والتصحيح.

النص مثلما يسلمه الكاتب للمطبعة أو للناشر، يبقى كما هو، ويتم القذف به نحو ساحة المقروئية، وكأن الناشر غير معني بما ينشر، فهو في النهاية لا يغامر، فقد أخذ حقه المالي من الكاتب، لحظة طباعة الكتاب، وغير مهتم بانتقاله بين القراء. وتصح تسميته مطبعجياً وليس ناشراً، وقد يشارك في العقد على الأقل، في الجائزة في حالة فوز الكاتب.

تنشر الروايات أوَّلاً في الوسائط الاجتماعية كالفيسبوك، فتصبح مرئيَّة، وهذه أيضاً نقطة في غاية الأهمية لأنها تمهد لشيوع الكتاب، وكأنها مسلسلات تركيَّة أو مكسيكيَّة سابقاً، ويشدُّ الكتاب انتباه القارئ حتى اللحظة الأخيرة، وتكفي اللَّايكات الكثيرة ليشعر الكاتب بأن نصه أصبح محبوباً.. أخطر من ذلك يتحول اللَّايك إلى بديل عن النقد التأملي والروائي.

وقد فرضت هذه الوسائط أسماء قد لا تعني لنا الكثير، لكننا نجدها في كل مكان حتى في المطارات العربية، في متناول أي قارئ يريدها، وتبدو الروايات الكبيرة للأسماء المعروفة، المرصوصة في المكتبات بصمت مزمن، كما لو أنها ديناصورات على أهبة التحلل، تقاوم فعل الزوال والانقراض بصعوبة.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


يقفز القارئ الجديد على أعمال نجيب محفوظ، وعبدالرحمن منيف، الطاهر وطار، وعبدالكريم غلاب، ومحمود المسعدي، وحنا مينه ويركض نحو التجارب الجديدة التي تتحدث عن انشغالاته وبلغته؟.. قراءة بسيطة لهذه الروايات لا تدفع إلى المسرة والراحة.

النموذج الذي يتم تثبيته اليوم للأسف ليس النموذج الروائي على الأقل كما عرفناه عالمياً وليس عربياً فقط، وهنا لا أتحدث عن التجربة الشبابية الخلاقة التي هي بدورها أضعفها هذا النوع من الأدب السهل وجعلها في حيرة، ولكن عن الحلالات التي جعلت من السهولة والضحالة المستشرية طريقها نحو الشهرة.

وهذا لا يعني الرواية فقط ولكن الفنون جميعها، ويحتاج الأمر إلى توصيف حقيقي للظاهرة وعن قرب، من عتباتها المغرية حتى مضامينها الداخلية.

مسؤولية النقد كبيرة في هذه المرحلة.. المشكلة الكبيرة هي أن النقد نفسه يشعر بنوع من التعالي عليها، فلا يلتفت نحوها وهو ما يوسع الهوة.