د. انتصار البناء

قبل عدة أشهر أنتجت قناة الجزيرة الفضائية برنامجاً وثائقياً، بعنوان «في سبع سنين» حول تداعيات فض اعتصام رابعة العدوية في مصر.. البرنامج ركز على تقصي آراء مجموعة من الشباب الذين شاركوا في اعتصام رابعة أو تأثروا به، وكانت النتيجة المؤسفة لفض الاعتصام الذي وقع إبان أحداث إسقاط حكم الإخوان برئاسة محمد مرسي. هي لجوء بعض هؤلاء الشباب إلى الجماعات المتطرفة أو الإلحاد.

وبغض النظر عن البحث في غايات القناة من إنتاج برنامج بهذا المضمون، وذلك لاعتبارات أن تلك هي أحد المنابر الإعلامية الرسمية لـ «جماعة الإخوان»، وللكثير من الجماعات المتطرفة مثل: القاعدة في أفغانستان وباكستان، ولجبهة النصرة وغيرهما، إلا أن الحلقة الوثائقية ــ ربما من حيث لا يدري معدوها ـ قدمت مضموناً نقدياً لتداعيات الخطاب الديني الذي تم «تثويره» واستغلاله في أحداث قاسية مثل اعتصام ميدان رابعة.

وفي واقع الأمر فإن الاستغلال الديني الذي حدث في ميدان رابعة لا يختلف عن نظيره الذي حدث في كثير من وقائع ما سمي بـ«الربيع العربي»، فحشد المحتجين في صعيد واحد في مواجهة الآلة الأمنية والعسكرية، والإيهام بأن القلة المؤمنة ستغلب الكثرة الفاسدة وعتادها، كان بمثابة تقديم الجماهير (المتدينة) قرابين منحت رتبة (شهداء) من قبل القيادات الإسلاموية التي تمكنت من الفرار إلى قطر وتركيا والعيش في أمان ورفاهية، كما أن إعادة توظيف القصص الديني في الزعم بأن الملائكة تحارب في صف الثوار، وأن الأنبياء يصلون خلف أحد القيادات كان بمثابة خلق حالة أسطورية أدرك المحتشدون كذبها.

تلك الممارسات (اللاعقلانية) وضعت الجماهير في مواجهة مع الواقع والنتائج، وفي لحظات الانفعال الحاد وعند الخسائر الفادحة يختل التمييز والاتزان عند الإنسان، فبدل أن يحيل مصدر المشكلة إلى تلك القيادات الإسلاموية تم إحالتها إلى الفكر الديني مباشرة، وتم التعامل مع الأفكار المتطرفة باعتبارها طريقاً يجب المواصلة فيه، كما حدث في حالة الذين التحقوا بالجماعات المتطرفة، أو اعتبار تلك الأفكار أخطاء ومآزق يجب التحرر منها، كما حدث مع الذين اتجهوا نحو الإلحاد.

نحن دائماً نقول إن المشكلة ليست في الأديان ولا مع السماء.. المشكلة في الأرض مع الناطقين باسم الأديان، والاستنزاف الكبير الذي تعرض له الدين في الثلاثين عاماً الماضية من قبل جماعات الإسلام السياسي، أفقدت الكثيرين الثقة في تفاصيله، لذلك نحن بحاجة إلى مشروع ثقافي واجتماعي يحمي الدين من الاستغلال السياسي، ويرسخه في موقعه الروحاني الصحيح، الذي يمنح المؤمنين الطمأنينة والمحبة والسلام بعيداً عن ثقافة العنف والكراهية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟