فينيامين بوبوف

برزت في الفترة الأخيرة ظاهرة تراجع قوة التأثير السياسي للاتحاد الأوروبي في الأحداث العالمية، ويعود ذلك إلى ثلاث مشكلات أساسية.

أولاً: تصاعد الخلافات بين الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، وهناك قضايا متعددة ومتزايدة تختلف بشأنها البلدان الأوروبية مع أمريكا مثل الحروب التجارية والمواقف المختلفة من ظاهرة الاحترار الكوكبي والتغير المناخي، والموقف من إيران وغير ذلك.

ولا يمكننا أن نغضّ الطرف عن ربط العلاقة بين هذه التوجهات وزيارة دونالد ترامب إلى المملكة المتحدة وفرنسا في شهر يونيو الجاري، وقد لفتت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأنظار إلى هذه العلاقة في عددها الصادر يوم 6 يونيو الجاري، عندما أشارت إلى أن زيارة ترامب إلى بريطانيا كشفت عن كل الدمامل والبثور التي اعترت المجتمع البريطاني أخيراً، وأن الميل للانعزال السياسي الذاتي الذي انشغل به البريطانيون لفترة طويلة قد دخل الآن طوره السريري، وأضافت: «هناك أيضاً الحقيقة، التي تفيد بأنه إذا كان هناك شخص ما أكثر منّا ميلاً للجنون، فإن ذلك لا يعني أننا نحن الرابحون أو المنتصرون».

ثانياً: يزداد «الشعور بقوة الطرد المركزي» في أوروبا زخماً، ويتضح ذلك من خلال الرغبة المتزايدة للانفصال عن الاتحاد على طريقة «البريكسيت» البريطاني، وأيضاً في حماسة الانفصاليين الأسكوتلنديين للانفصال عن المملكة المتحدة من خلال مساعٍ لا تتوقف، وتشبه سعي الكاتالونيين للحصول على الاستقلال عن إسبانيا.

وتلك السنوات الماضية التي انقضت منذ الأزمة المالية التي ضربت العالم عام 2008، لم تؤدِّ إلا إلى تكريس عدم المساواة الاقتصادية والتكنولوجية في أوروبا، وتبدو هذه الظاهرة واضحة تماماً من خلال الاختلافات القائمة بين «الجنوبيين» و«الشماليين» من مجتمعات الاتحاد الأوروبي.

ويزداد عدد الأوروبيين الذين يشتكون من تراجع مستويات معيشتهم باستمرار، خصوصاً بسبب المنافسة القوية للأسواق الآسيوية واتجاه المجتمعات الأوروبية بشكل عام نحو الشيخوخة، وفي الدول الأوروبية ذاتها، أصبحت القوى السياسية أكثر نشاطاً، وهي تدعو إلى غلق الأبواب في وجوه المهاجرين، وإقناع السياسيين الآخرين بأن «الغرباء» خصوصاً منهم المسلمون الآتون من الضفة المقابلة للبحر الأبيض المتوسط يمثلون تهديداً حقيقياً.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


ثالثاً: التباطؤ الذي يشهده النمو الاقتصادي الأوروبي خصوصاً في ألمانيا التي تعد القاطرة الاقتصادية لأوروبا، يؤدي إلى تقوية مشاعر الاحتجاج التي بدت في أوضح صورها من خلال حركة «السترات الصفراء» في فرنسا.

وتحت هذه الظروف، أصبحت أصوات الأوروبيين العقلانيين مسموعة أكثر من أي وقت مضى، وهم يعتقدون أن التأسيس لعمل تعاوني وثيق مع روسيا يمكنه أن يسمح لهم بحل مشكلاتهم بنجاح.

ويمكن القول: إن الشيء الواضح الآن هو أن الاتحاد الأوروبي يمرّ بأصعب أوقاته، وكيف يمكننا ألا نتذكر في هذه الظروف ما قاله أحد كبار السياسيين الألمان وهو المستشار الأسبق هلموت كول، من أن الأوروبيين يحتاجون إلى تعاون أكثر اتساعاً وشمولاً مع روسيا، من أجل ذلك أصبحت أصوات الأوروبيين العقلانيين مسموعة أكثر بخصوص عمل تعاوني وثيق مع روسيا.