عبدالجليل معالي

لم ينتظر التونسيون كثيراً، قبل أن يقرؤوا العمليات الإرهابية التي تتالت صباح الخميس الماضي قراءة سياسية تضع تلك العمليات في قلب السياقات الجارية في البلاد.. سياقات تتجه نحو وجهة اقتصادية قوامها انطلاق موسم سياحي يعلق عليه التونسيون آمالاً كثيرة، ووجهة سياسية عمادها الاستحقاق الانتخابي المزمع تنظيمه بعد أشهر قليلة.

استفاقت تونس صباح الخميس على سلسلة عمليات إرهابية، بدأت الفجر مع استهداف محطة إرسال إذاعي بجبل عرباطة بمحافظة قفصة جنوبي البلاد، وهي عملية لم تسفر عن وقوع إصابات بشرية، ثم تلتها عملية في قلب شارع الحبيب بورقيبة أدت إلى استشهاد محافظ شرطة وسقوط خمسة جرحى، ثم تلاها تفجير ثالث استهدف الوحدة المختصة للبحث في جرائم الإرهاب في القرجاني بالعاصمة.

تزامنت عودة الخطر الإرهابي مع ما راج من أخبار عن تدهور صحة الرئيس، ما أضفى على المشهد ظلالاً سياسية مخيفة.. هنا كان للعملية الإرهابية وقع مضاعف، تضافرت على رفع منسوبه رسائل التخويف المقصودة بالعمليات ذاتها، مع التوقيت التونسي في موسم سياحي بشّرت كل المصادر بأنه سيكون واعداً، وسيوفر إمكانية المساعدة على الخروج من المأزق الاقتصادي الخانق الذي تردت فيه البلاد، مع انتظار الاستحقاق الانتخابي وكل ما صاحبه من أقاويل عن إمكانات تأجيله، فضلاً عن الجديد المتصل بصحة الرئيس وما يمثله من مآزق دستورية في غياب المحكمة الدستورية المخولة بحسم الإشكاليات القانونية المشابهة.

قراءات كثيرة سارعت إلى الربط بين سلسلة العمليات، والاستحقاق الانتخابي المقبل، وبقدر ما كان الربط مشروعاً بالمنطلق الزمني، باعتبار وقوع العمليات قبل أشهر من الحدث السياسي الذي تتهيأ له البلاد، فإن توجيه أصابع الاتهام إلى أطراف سياسية محددة أمر تنقصه الدقة ويفتقد الوجاهة.

الهدف العميق من العمليات المتتالية هو ضرب مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، وهو مسار يتقدم ببطء ناتج عن تضافر العوامل السياسية والاقتصادية.. الإرهاب لا يزدهر في المناخات الديمقراطية، وهذا لا يعني استحالة حصول الإرهاب في أعتى ديمقراطيات العالم، لكن ذلك يعني أن التيارات الإرهابية تمثل نقيضاً موضوعياً للوضعيات السياسية التي تؤدي إلى استقرار أمني واقتصادي وتعبيرات مدنية سلمية.

عودة الإرهاب إلى تونس عمل يرادُ منه إشاعة الهلع العام، وضرب الاقتصاد والسياسة في مقتل، وإذا كان الإرهاب يهدد المسار الديمقراطي، فإن الإجابة يفترض أن تكون من جنس الخطر.. الإجابة السياسية على الإرهاب هي المضي في المسار الديمقراطي والحفاظ على المواعيد الانتخابية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟