د. انتصار البناء

كاتبة وناقدة ـ البحرين

قبل سنوات عديدة كانت تعقد مؤتمرات خاصة للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وفي كل مؤتمر كان المجتمعون يكررون المقولات الثابتة عنهم: إننا نتفق في الأصول ونختلف في الفروع، ولذلك فلا فروق جوهرية بين المسلمين، ولكن خارج غرف المؤتمرات في المساجد وعلى القنوات الطائفية كان الخطاب مختلفاً تماماً، وقد أوشكنا غير مرة على الانخراط في حرب طائفية طاحنة، بعد أن انتشر في دولة مثل العراق القتل على الهوية بالاستدلال بأسماء الناس.

وكذلك كانت تعقد مؤتمرات لحوار الأديان، فكان أتباع الأديان الإبراهيمية يؤكدون أنهم يصدرون من مشكاة واحدة وأنهم إخوة لأب واحد، في الوقت الذي كان البعض يحذر من معايدة غير المسلمين أو الأكل من طعامهم، وفي الوقت الذي تم تهجير مسيحيي الشرق من سوريا والعراق، وتفجير الكنائس في مصر.

الذين يحضرون تلك المؤتمرات هم في العادة الزعامات الدينية والثقافية والإعلامية للأديان والمذاهب، وموقع النخبة هو دائماً موقع الدبلوماسية والواجهات الناعمة مع (الآخر)، والسؤال المشروع الذي نطرحه: هل تطرح تلك النخب الأفكار السلمية والتعايشية ذاتها على الأتباع والمريدين؟.. مشروعية هذا السؤال تتمثل في أن الأفكار الإقصائية جلها موجودة في الكثير من كتب (التراث) التي تدرس في كليات الشريعة والمعاهد الدينية لمختلف الطوائف.

فتلك المصنفات بطبيعة المنطق تميز بين أتباع المذهب ومخالفيه، وتعطي الأفضلية لأتباع المذهب، وكثير من العمليات الإرهابية استند أصحابها على آراء وتفسيرات مبثوثة في تلك المصنفات، ومن تابع جدل مصنفات التراث فإنه وجد نفسه وسط بحر متلاطم من القبول والرد لتلك الآراء وتفسيرها على أكثر من محمل، بما لا يمكن المتابع (العادي) من تتبع خيوط الآراء والحكم عليها.

والأطروحة التي يناضل (حراس) التراث لمحاربتها ومنع تفعيلها هي: أن تلك المصنفات وضعت ما بين القرنين الثاني والرابع الهجري في ظروف سياسية وتاريخية معينة، تمثلت في خصوصية تأسيس الإمبراطورية الإسلامية وتوسعها عبر الفتوحات، وفي خروج أحزاب سياسية معارضة للخلافة بوجهات نظر أيديولوجية مرتبطة بالحالة القبلية (الهاشميون، الخوارج، الزنج، القرامطة)، وفي احتلال الصليبين للمسجد الأقصى، وأثناء الغزو المغولي، وهذه الظروف هي التي حددت (الآخرين) ورسمت حدودهم والمواقف منهم.

لذلك فإن تجديد الخطاب الديني يستدعي فصل ما هو تاريخي عن ما هو بنيوي في المسألة الدينية، ويستدعي أيضاً بلورة حالة فكرية معاصرة للمسلمين تستوعب متغيرات الواقع الراهن، وإلا فسنبقى نحن الأمة الوحيدة في القرن الحادي والعشرين الميلادي التي يضبطها فكر القرن الرابع الهجري.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟