د. واسيني الاعرج

روائي وأكاديمي ـ فرنسا

تعاني الرواية العربية من إشكالات معقدة جداً تحتاج إلى بعض التأمل والتبصر، ومنها العدد المهول من الروايات التي أصبحت تنشر سنوياً، حيث لم تعد ظاهرة كتابة الرواية ثانوية ليمكن التغاضي عنها، فقد استفحلت وأصبحت جزءاً من حاضرنا الثقافي والأدبي، بل والمتحكم في جانبه الإعلامي والأدبي.

تحتاج الظاهرة الطاغية إلى وقفة فنيّة تدرس نقدياً، بعد وضعها في سياقاتها التاريخية والفنية، فالرواية العربية تعيش وضعاً غير مسبوق، كمياً ونوعياً، وهنا يجب التفريق بين نوعين من النصوص الروائية، نوع يكتب داخل النظام الروائي المتعارف عليه من خلال جهد إبداعي مميز وكبير، ولا تعمل وسائل الاتصال الحديثة إلا دوراً تقنياً مرتبطاً بشيوعه السريع بين من يشكلون المقروئية الواعية، التي يكون أفق انتظارها كبيراً من ناحية الكتابة، لأنها قادمة من تقليد روائي عربي كبير من أقطابه نجيب محفوظ، حنا مينه، عبدالرحمن منيف وغيرهم.. أي أنها قراءة عارفة تستند إلى تاريخ مسبق ومعروف استجابت فيه النصوص الروائية لتاريخ التحولات المجتمعية، وهناك ذائقة مصنعة وفق ثقافتها الروائية التي تتبطن جهداً معرفياً وثقافة روائية محصنة.

أما النوع الثاني مدار حديثنا فهو أدب الماكنة أو الآلة التي تنتجه.. الأدب السريع الذي لا قضية له إلا أن يكون في مدارات الشهرة، صحيح أن وراءه بشراً يكتبونه، لكنهم يفعلون وفق إملاءات التكنولوجيا الحديثة ولا يهمهم في النهاية إلا الوصول إلى الجمهور، وكأنهم بصدد نشر بوست صغير، وانتظار عدد اللايكات التي تحسس الكاتب أو المفترض أنه كاتب أنه أصبح عظيماً، وعلى الساحة الثقافية التي لا تقومه أن تتفهم ما يقوم به وتعتبره كبيراً لأن رهانه في عدد القراء.. الأمر صحيح لكنه في الوقت ذاته يحتاج إلى تأمل.

الكثير من النصوص مثلاً بدأت كمادة فيسبوكية لكنها سرعان ما تطورت بسبب المقروئية الكبيرة قبل أن تتحول إلى مسلسل يتابعه القراء.

وتصل الغواية إلى سقفها، فينشر النص في كتاب يقتنيه القراء أنفسهم الذين يعدون بالآلاف، فيصبح النص نجمة المعرض الأدبية، كل الناس يتحدثون عنه.. هناك خلل ما في طبيعة المقروئية، هي نفسها التي رفعت نصاً عادياً مثل «لا تحزن» في معرض القاهرة أو كتاب «بلحمر» في معرض الجزائر، إلى سدة البيست سيل، وهو ما أدى إلى حالة من المنافسة على السهولة والتضخم.

تشهد الرواية العربية مرحلة كمية كبيرة وخطيرة لأنها تغرق الجيد في الغث، ففي السنة هذه والتي انقضت صدر في العالم العربي ما لا يقل عن 1000 رواية، في الجزائر وحدها أكثر من 200 رواية.. أمر مهم جداً على الأقل من الناحية العددية، بغض النظر عن «الاستجابة الإجناسية» من عدمها، لهذه النصوص، لكنها تحمل كلها علامة رواية، وكأنها ماركة مسجلة تسمح لها بالعبور على مستوى مقروئية تنتظر مثل هذه المناسبات الثقافية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟