ميسون أبوبكر

إعلامية وكاتبة ـ السعودية

نحن لا نختار أسماءنا، فهي هبة ممن كان سبباً في صرختنا الأولى في الحياة، لكنني حملت اسمي، وقصة هذا الاسم الذي اشتهرت به قبلي امرأة عشقت الصحراء وفضلت العيش في بيوت تعوي الريح قرب مضاربها، وتؤنسها أكثر من نقر دفوف قصر معاوية الذي كانت تعيش فيه، وكما عشقت ميسون النجدية بادية نجد ولم يفتر حنينها إليها حتى عادت إليها، كذلك أنا اخترت لمقالي الأول من بين تفاصيل الحياة التي أحبها والصحراء التي أدمنتها عنوان «قافلة الحبر»، حيث أصافح قرائي في صحيفة «الرؤية» للمرة الأولى، فألوح لقلوبكم وأمايس أفكاركم، ويبقى الود بيننا سواء اختلفت الآراء أو التقت.

لا بد أن أشير هنا كحق من حقوق الملكية الفكرية إلى الكتاب الذي أدمن العودة إليه كلما اشتقت إلى قراءة تاريخ الجزيرة العربية والخليج من الرحالة الغربيين ما بين (١٧٦٢ ـ ١٩٥٠م) للكاتب سمير عطا الله، في كتابه «قافلة الحبر»، حيث أومن بأن للحبر طريقاً سلكه الماضون واتبعهم الحاضرون، وعلى الرغم من أن التقنية لها مجرَاتها الفضائية وحبرها السحري إلا أن لحبر الورق عطره، ولقوافله متعة آسرة اعتدت أن ألحق بركبها.

الصحراء التي لم يكن سهلاً الخروج منها كانت قبلة ومقصداً للمستشرقين الذين امتهنوا السفر كعلم وهواية وتأريخ، وتوالت رحلاتهم إلى الجزيرة والخليج، وقد قال أول الرحالة الأوروبيين إلى الجزيرة العربية الدنماركي كارستن نايبور: «إن العربي يولد حراً»، وقال وليم جونز عالم اللغات: «إن العرب هم الأمة الفضلى لدي».

بقيت الصحراء سراً غامضاً يسعى الغرب لسبر أغواره بدراسة تاريخية شاملة، وبأدوات ذهنية حاضرة في الثقافة الأوروبية الحديثة تخطت المعرفة التاريخية التي تفتقر إلى الكونية، أو تلك التي تعتمد على نقل الخبر بعيداً عن التحليل.

ولعلي لا أغفل أن أشير إلى ما قدَم به دكتور عزيز العظمة كتاب الدكتور محمد سعيد «أنبياء البدو» (أنه لا يعني بالضرورة أن كل العلماء الأوروبيين ـ الذين غالباً ما يجتمعون في مسمى مستشرقين ـ كانوا متشبعين بروح علمية مثالية، ولا يعني فصل العلم الأوروبي عن منطق الهيمنة والاستعلاء الذي صحب المرحلة الاستعمارية. وهذا يكشف عن ارتباط الكثير من مظاهر أبحاثهم بمحيط اجتماعي وسياسي استعلائي، وأحياناً عدواني صريح).

قوافل الحبر محفوفة بالكثير، مرهونة بعذوبة الرحلة والمغامرة أيضاً، وللحبر توقيعه الأخير على صحاف القلب، وأعدكم بأن تكون بوصلتي أنتم، فافتحوا نوافذ قلوبكم لشمس الكلمات وقوافل الحبر.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟