مارك لافيرني

بعد زيارتي العام الماضي إلى دول البلقان التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي السابق، عقدت العزم على السفر هذا الصيف إلى يوغسلافيا السابقة، ولم يكن ذلك من باب الحنين إلى الدول التي عرفتها أيام الشباب قبل التقسيم، بل في إطار محاولة لاستشفاف الدروس والعِبَر من عصر منسي.

وكانت زيارتي الأولى إلى هناك عام 1981 عندما كنت على وشك الانتقال إلى مصر بعد أن تقدمت للتوّ بأطروحتي لجامعة السوربون حول تأثير السد العالي في أسوان على الزراعة في مصر، التي كانت في ذلك الوقت تشهد تغيراً سياسياً كبيراً من التحالف مع السوفييت إلى طلب الحماية من الولايات المتحدة، وتزامن ذلك مع إعلان السادات عن سياسة الانفتاح، ووقّع اتفاقية سلام مع إسرائيل قبل اغتياله في العرض العسكري يوم السادس من شهر أكتوبر.

وكانت منطقة البلقان في الجانب الآخر من «الستارة الحديدية» تشهد بعض التغيرات التي أوحت باقتراب الأوقات الصعبة والمروّعة، وكانت يوغسلافيا بعد رحيل تيتو لا تزال دولة فيدرالية قوية ومستقلة، وتحظى بالاحترام في أوساط الشعوب السلافية الجنوبية، وكان الجو السياسي بعيداً عن حالة الخوف والقلق التي واجهتها العاصمة التشيكوسلوفاكية براغ قبل ذلك بأحد عشر عاماً عندما اجتاحتها الدبابات السوفييتية، ولكن عندما وصلت إلى مدينة تيتوغراد (واسمها الآن بودغوريكا وتابعة لجمهورية الجبل الأسود)، تلقيت أمراً بالعودة من حيث أتيت لأن إقليم كوسوفو كان مغلقاً أمام الأجانب.

ولا يسعني إلا أن أشكر شابين ألبانيين تمكنا من تهريبي في حافلة حتى وصلت إلى مقدونيا، ومن خلف الستائر المغلقة للحافلة، كان في استطاعتي أن ألقي نظرة على «بريشتينا» عاصمة كوسوفو، التي كانت في حالة حظر التجوال بسبب أعمال شغب اندلعت فيها للمطالبة بالانفصال عن صربيا، حتى أصبحت مدينة الفوضى والدمار والأشباح، وكانت تبدو عليها المؤشرات الأولى لاندلاع الحروب الأهلية التي أدت إلى تمزيق البلد وتفتيته في بداية عقد التسعينات، وحدث ذلك في مكان لا يبعد إلا ساعات قليلة عن أوروبا الغربية الآمنة والمزدهرة.

وبعد أن انضمّت بعض بلدان البلقان إلى الاتحاد الأوروبي، يُنتظر أن تحذو الدول الأخرى حذوها، وخلف مشهد تجمّع ملايين السيّاح على شواطئ بحر الأدرياتيك، يمكن أن نتساءل عما إذا كان العداء بين أوروبا الشرقية والغربية الذي استمر قروناً لا يزال قائماً، وحيث كان الصراع يدور بين العثمانيين والإمبراطورية النمساوية - المجرية، أو بين الدعوتين الإسلامية والمسيحية.. وهل مشروع الاتحاد الأوروبي لا يزال حقيقة واقعة أم أنه أصبح محض خيال؟

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟