عبدالجليل معالي

فضَّل الشعب الموريتاني الاستقرار على القفز في المجهول بعناوين المغامرة أو التغيير أو سواها.. الرهان على الاستقرار كان بمثابة المتن، وهوامشه الضرورية كانت دور الإسلاميين في البلاد والعلاقة مع قطر وغيرها من الطبقات الخفية للحدث الموريتاني.

في 22 يونيو الماضي انتظمت انتخابات رئاسية في موريتانيا، تقدم للاستحقاق ستة مرشحين من ميولات سياسية مختلفة.. اختصر الأمر، في البداية، في التنافس بين محمد ولد الغزواني، وسيدي محمد ولد بوبكر رئيس الوزراء الأسبق.

ولد الغزواني يمثل مرشح الحزب الحاكم والمقرب من الرئيس المنتهية ولايته، محمد ولد عبدالعزيز، الذي تمكن من فرض الاستقرار في موريتانيا، التي شهدت في فترات سابقة تنامي الاعتداءات من قبل مجموعات متطرفة.

منافس الغزواني كان محمد ولد بوبكر المدعوم من قبل حزب «تواصل» الإخواني.

التنافس قبل الانتخابات كان بين مشروعين؛ مشروع الدولة والنظام، والمشروع الإسلامي المتخفي وراء شعارات أغلبها من انتقادات المعارضة لفترة حكم ولد عبدالعزيز.

لقد تحقق فوز ولد الغزواني، ولكن منافسه الإسلامي، ولد بوبكر، حلَّ ثالثاً، بعد بيرام ولد الداه ولد عبيدي، زعيم حركة «إيرا» والمدافع الشّرس عن حقوق الإنسان، لكن سيل الانتقادات لفوز ولد الغزواني نبع في أغلبه من حركات وشخصيات إسلامية، من داخل موريتانيا وحتى من خارجها.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


في الأول من يوليو الجاري، أعلن المجلس الدستوري رسمياً فوز الغزواني في الانتخابات الرئاسية بنسبة 52 في المئة من الأصوات، وأعلن رفضه جميع الطعون التي قدمها مرشحو المعارضة.

استجابت الانتخابات الموريتانية للخصوصيات القبلية والاجتماعية والثقافية في البلاد، لكن ذلك لم يمنع من تأثرها، قبل الانتخابات وبعدها، بالسياقات الإقليمية المتشابكة.

جدير بالتذكير أن الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبدالعزيز عرف بعدائه للمشروع الإسلامي، حيث صرح في سبتمبر 2018 بأن «احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية عام 1948 هو من أكبر المآسي التي عرفها العرب، لكن ما عاشوه في السنوات الأخيرة كان مأساة أكبر بسبب الإسلام السياسي وحركاته المتطرفة التي خربت الأوطان وأراقت الدماء».

عند ربط كل زوايا اللوحة السياسية الموريتانية، بدءاً من رهان النظام على الاستمرارية، مروراً باقتناع فئات واسعة من الشعب بوجوب الرهان على الاستقرار والتنمية، وصولاً إلى الانتقادات التي وجهت نحو العملية الانتخابية ذاتها، والتي عدت في المتصور الإخواني شكلاً من أشكال التوريث، نتبين أن الصراع الذي تعيشه موريتانيا يكاد يكون نسخة شبيهة بما تعيشه غالبية الأقطار العربية، وهو صراع بين مشروع الدولة ومشروع الجماعة المتكئ على الدين.