مارك لافيرني

أوروبا منقسمة الآن بين بلدان شرقية وغربية في قضايا سياسية متعددة

لقي اختيار كريستين لاغارد لمنصب الرئيسة الجديدة للبنك المركزي الأوروبي، ترحيباً وارتياحاً بالغين في أوساط مجتمع الأعمال والنظام البنكي الدولي، وبعد الرحيل المفاجئ لرئيسه السابق ماريو دراجي ينظر المحللون لتعيينها باعتباره يمثل استمراراً لضمانات الدفاع عن «اليورو» ودعمه.

وتُعتبر الاتفاقية الفرنسية - الألمانية في هذا الصدد، مؤشراً على ظهور بوادر انتعاش جديدة للاتحاد الأوروبي في أعقاب مخاوف ترتبت على الانسحاب البريطاني من عضويته (البريكسيت) من جهة، ومن المواقف الانفصالية المتنامية لبعض دول أوروبا الشرقية عنه من جهة ثانية، وعلى أية حال، يجب ألا يخفي هذا المشهد التضامني، مؤشرات الضعف المزمنة التي تهدد الصرح الوحدوي الأوروبي.

وأول ما تجدر الإشارة إليه عقب هذا التحول الجديد، هو أن «لاغارد» حرفيّة متألقة وتتمتع بسمعة طيبة في الأوساط المالية العالمية، ثم إن علاقتها القوية بالرئيس إيمانويل ماكرون من شأنها أن تضمن تعزيز الثقة والتماسك بين السياسات الوطنية للدول الأوروبية المنفردة والبنك المركزي الأوروبي، لأن السياسة المالية تنطوي على قدر كبير من الأهمية، إلا أن «لاغارد» لا تحتكم لمستوى الخبرة التي يتمتع بها سلفها في مجال إدارة العملات، وعليها أن تعتمد على الخبراء عندما تجد نفسها مجبرة على اتخاذ القرارات الحاسمة في هذا الشأن.

ويضاف إلى ذلك أن هذا الاختيار لن يؤدي إلى تغيير عميق في الأوضاع الراهنة التي تثير قلق الاتحاد الأوروبي، وذلك لأن النتائج الحقيقية «للبريكسيت» لا تزال مجهولة، ولا تزال الولايات المتحدة مصممة على إسقاط منظومة التكامل الاقتصادي الأوروبي وتطبيق إجراءاتها الحمائية.

وفي حقيقة الأمر، فإن أوروبا منقسمة الآن بالفعل بين بلدان شرقية وغربية في قضايا سياسية متعددة، مثل: الهجرة والعلاقة مع روسيا، فيما ترفض معظم البلدان الأوروبية الشمالية، وتلك التي تطلّ على البحر الأبيض المتوسط السياسات الاقتصادية والمالية الراهنة للاتحاد.

وأخيراً وليس آخراً، فإن من الواضح أن التقارب في المواقف بين الفرنسيين والألمان لا يمكن أن يطول، وخاصة لأن ميركل ستكون ملزمة بالتخلي عن منصبها الخريف المقبل، ومن الأرجح أن يخلفها مستشار جديد أقل مرونة في التعاطي مع المبادرات والأطروحات الفرنسية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


ويتجلى هذا الضعف الأوروبي بطبيعة الحال بالافتقار للقدرة على أن يكون لأوروبا وزنها السياسي المشهود في القضايا الدولية، وهو ما اتضح من خلال انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية جنيف حول البرنامج النووي الإيراني، أو من خلال عجزها عن اتخاذ موقف واضح من المخاطر الاقتصادية الصينية، وربما كان القلق الأكبر يتعلق بالنظام البنكي الأوروبي ذاته والذي لا يبدو أنه استوعب دروس الأزمة المالية لعام 2008، ولم يضع سياساته على أساسها، ولهذا السبب يمكننا أن نتوقع أن تكون الأزمة المالية المقبلة أكثر قدرة من سابقتها على إصابة الأنظمة المالية العالمية بالأضرار؛ وهذا يقتضي اتخاذ إجراءات تتصف بقدر أكبر من الوعي والحذر عن تلك التي تُتبع الآن.