فينيامين بوبوف

اليوم، أصبح واضحاً لكل ملاحظ موضوعي أن النظام الدولي يعاني من أزمة مستعصية وشاملة، ولم تعد التجارة الدولية تمثل محركاً للنموّ، وهي تعاني من الأعباء الحمائية المتزايدة والقيود والحواجز التي تتمتع بغطاء سياسي، وخلال العقود الثلاثة الماضية، انخفضت نسبة مشاركة الدول المتطورة في «الناتج المحلي الإجمالي العالمي» من 85 إلى 40 في المئة (وفي مجموعة الدول السبع إلى 30 في المئة)، ويبدو خطر انفراط عقد النظام الاقتصادي الحقيقي ماثلاً، وهو يعود بشكل أساسي للأنانية السياسية للولايات المتحدة وسعيها لتحقيق مصالحها.

ويشهد توازن القوى في كوكبنا تغيراً دراماتيكياً، حيث أصبح العالم الآن متعدد الأقطاب بالفعل، ويكمن أحد أكبر التحديات في وقتنا الراهن بعدم المساواة على المستوى العالمي، والذي يُعتبر سبباً لعدم الاستقرار، ولا يتعلق الأمر بمستوى المدخول فحسب، بل بالاختلاف الكبير في الفرص المتاحة أمام الناس، ويستفيد البعض من الانتساب لأكثر المنظومات التعليمية والصحية والتكنولوجية تطوراً، فيما يفتقد البعض الآخر لحظوظ الإفلات من ربقة الفقر، ويقترب البعض من أدنى مستوى لمتطلبات البقاء على قيد الحياة.

واليوم أيضاً، هناك أكثر من 800 مليون إنسان في العالم لا يتيسر لهم مصدر لمياه الشرب، ويعاني11 في المئة من سكان العالم من نقص التغذية، وإذا كان النظام العالمي قائماً على أساس الظلم والافتقار للعدالة، فلن يكون مستداماً ولا متوازناً، ومما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة تلك التحديات البيئية والمناخية المتزايدة التي تهدد البيئة الاجتماعية والاقتصادية للجنس البشري.

ويتطلب تحقيق النموذج التنموي المستدام والعادل عقد اتفاقيات جديدة لا تتميز بوضوح شروطها وبنودها فحسب، بل بأن تحظى أيضاً باحترام كل الأطراف، وحتى نتمكن من تحقيق ذلك، يكون من الضروري العودة إلى الحوار حول طرق إحياء مظاهر التضامن والتعاون والحق المشروع لكل بلد باختيار الطريق المناسب لتحقيق النمو، ويجب أن يتم كل ذلك بخلق حالة من التوافق والانسجام بين المصالح الاقتصادية الوطنية والمبادئ والأسس التي يقوم عليها التعاون، ولا بدّ أن تتميز عملية وضع هذه المبادئ بالانفتاح، وأن تتم بطريقة ديمقراطية قدر المستطاع.

اليوم، بات من الواضح أن النظام العالمي الحالي يحتاج إلى تعديل، وخلال المنتدى الاقتصادي في سان بطرسبورغ، اقترح الرئيس فلاديمير بوتين تحييد أجواء الاقتصاد والتجارة العالمية من أجل حمايتها من حرب العقوبات وتحرير التموّن بالسلع الأساسية، كالأدوية والتجهيزات الطبية وأنظمة الإسكان والخدمات المجتمعية وغيرها، وهذه القضايا أصبحت مهمة لحياة وصحة الملايين من البشر الذين يعمرون الأرض.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟