محمد محمد علي

هناك سؤال يُطْرَح دائماً، هو: هل ينبغي للإعلام أن يُقَدِّم لجمهوره كلَّ ما يحدث، سواء كان نافعاً أم ضارّاً، أم يجب عليه التَّحَلِّي بالمسؤولية الأخلاقية؟

انقسم المفكرون في هذا المجال إلى فريقين: أحدهما يَرَى أنَّه لا داعي لالتزام الإعلام بأيِّ مسؤولية، فدورُه يَنْحَصِر في نقل المعلومات والأخبار بغض النظر عن نَفعِها أو ضررها.

وهذا القول يُذكِّرنا بالرأيِ المُفْرِط في الليبرالية القائلِ: إنَّ السوقَ الحُرَّة تستطيع تنظيم نفسها بنفسها، بلْ يرَى أصحابُ هذه النظرية أنَّ تدخُّلَ الدولة في السوق يعوق التقدُّمَ الاقتصاديَّ، وليس غريباً في هذا السياق أن تَتزامن نظريةُ الليبرالية الاقتصادية المطلقَة مع نظرية حرية التعبير المطلقة، منذ منتصف القرن الـ 19 حتَّى ظهور نظريَّات ليبرالية أخرى في القرن الـ 20 تُقيِّد السوقَ الحُرَّة، وتدعو إلى تدخُّل الدولة في النشاط الاقتصادي (النظرية الكنزية، مثلاً)، والتي تَزامَنَتْ مع نظريات أخرى تدعو إلى تقييد حرية التعبير لحماية المجتمع.

ويقول أنصارُ الليبرالية المطلقة إنَّ وسائل الإعلام «ليست أمَّ الجمهور» حتَّى تحرص على تربيته وحمايته؛ لذلك يجب على الإعلام في نَظَرهم أن يُقدِّم للناس كلَّ ما يَجري من أخبار ومعلومات ويتركهم يحكمون عليها بأنفسهم.

ويزعم هؤلاء أنَّ تَعَدُّدَ وسائل الإعلام وتَنَوُّعَ مصادرها كفيلان بخلق توازن لدى الجمهور، ويدعمون رأيَهم بوجود أبحاث عِلْمِيَّة تُثْبِت أنَّ الجمهور لا يَتأثَّر بشكل مباشر بهذه الوسائل؛ لأنَّ الناس لا يَتَلَقَّون مضامينَ الإعلام بأذْهان خالية، بلْ يَسْتَقْبِلونها وفي جُعْبَتهم عَدَدٌ من المعارف والعادات الراسخة والقِيَم الاجتماعية التي تَحُدُّ من تأثيرها.

أمَّا الفريقُ الآخَرُ فيرى أنَّ ما يحدث هو احتكارُ قِلَّة لوسائل الإعلام بِمَا يَحُدُّ من تَنَوِّعِها الظاهر، ويَتَّهم هؤلاء خُصومَهم بأنَّهم ينطلقون من مَفهوم خَطَأ للمسؤولية التي يَرَوْنَها نقيضاً للحرية، وهي ليست كذلك، بل هي ضَبْطٌ للحرية، ويجادلون بأنَّ الدراسات التي تَحدَّث عنها خصومُهم لم تصل إلى نتيجة حاسمة، بلْ كُل ما وصلت إليه هو أنَّ تأثير الإعلام في الجمهور محدودٌ، وأنَّ الناس لا يتأثرون بمضمونه مباشرة؛ وهذا، إن صَحَّ، لا يَنفي وجودَ تأثير بغض النظر عن حجمه وطبيعته.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


لكن مَن مِنَّا يستطيع اليومَ أن يُنكِر تأثيرَ وسائل الإعلام التقليدية والجديدة (وسائل التواصل الاجتماعي) في المجتمع سَلْبًا أو إيجابًا؟ لذلك من الضروري أن يَتَحَلَّى مستخدمُوها بالمسؤولية الأخلاقية والاجتماعية.