د. محمد لعقاب

منذ بداية الحراك الشعبي في 22 فبراير الماضي، بهدف الإطاحة بنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ظهرت قراءات سياسية ترى أن فرنسا متورطة فيما يعرف بـ «العصابة السياسية والاقتصادية» الممثلة في محيط الرئيس، واستأنس المحللون بالكلمات التوجيهية لقائد أركان الجيش الذي أشار إلى تورط قوى معروفة بعدائها التاريخي للجزائر.

منذئذ، ارتفعت الأصوات التي ترى أن الحراك يعتبر فرصة لا تعوض لتحقيق استقلال العقول بعد تحقيق استقلال الحقول على حد تعبير الدكتور أحمد بن نعمان، وبدون شك فإن التخلص من التبعية للغة الفرنسية في مجال التعليم يعتبر أهم أدوات التحرر الفكري واللغوي، وبالتالي أهم أدوات كسر التبعية لفرنسا.

وعلى هذا الأساس، وبتاريخ الخامس من يوليو الجاري ــ وهو اليوم المصادف لاستقلال الجزائرـ أطلقت وزارة التعليم العالي استفتاء يخص تعميم اللغة الإنجليزية في الجامعات، ومن المفترض أن يدوم شهراً، لكن بعد أربعة أيام فقط، صرح وزير التعليم العالي أن النسبة الأولية للتصويت أظهرت أن 95 في المئة من الطلبة والأساتذة يؤيدون استعمال الإنجليزية.

ويعتقد كثير من الجزائريين أن الاعتماد على اللغة الفرنسية في التعليم العالي، هو السبب الرئيس لتصنيف الجامعات الجزائرية في ذيل ترتيب العالمي.

وتُطرح قضية اللغة الفرنسية بحدة في الجزائر، ففي الوقت الذي تعززت اللغة العربية بفضل «المدرسة الأساسية» التي أطلقها الرئيس الراحل هواري بومدين، تدرّس الجامعات الجزائرية خصوصاً التقنية والطبية منها بالفرنسية، الأمر الذي يخلق صعوبات جمة لدى الطلبة الذين درسوا 11 سنة كاملة باللغة العربية، ليجدوا لغة التعليم في الجامعات والمعاهد التقنية بالفرنسية، لذلك برزت الإشكالية التالية: إذا كان لا بد للتعليم الجامعي أن يكون بلغة أجنبية فلماذا لا يكون بالإنجليزية؟ والمشكل المطروح بحدة، يكمن في كون الإدارة الجزائرية «مفرنسة» وتدين بالولاء لغوياً لباريس، وبالتالي الولاء ولاءٌ اقتصادي بالضرورة، لأن اللغة ليست محايدة أبداً، فأنت تتبع بالضرورة لمن تتحدث لغته، لذلك نجد نسبة عالية جداً من النخبة الجزائرية تهاجر من أجل العمل في البلدان الفرنكوفونية، وتحديداً فرنسا وكندا، حيث تحصي فرنسا وحدها أزيد من 20 ألف طبيب جزائري درسوا وتكوّنوا في الجزائر.

من هنا يمكن القول إن هناك شرخاً بين رغبة الشعب في التعلم باللغة الإنجليزية باعتبارها لغة العلم والتكنولوجيا، وبين رغبة الإدارة المتحكمة، وعليه فإنه من الصعب جداً أن تصبح الجزائر إنجلوفونية، إلا إذا حقق الحراك الشعبي الجزائري فعلاً «استقلال العقول» المعطل منذ استقلال الحقول.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟