فاروق جويدة

يعيش العالم العربي الآن حالة من أسوأ حالات الانقسام بين شعوبه وشبابه وأصحاب القرار فيه، فحتى قضايانا الكبرى لم نتفق حولها، ومن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاوراته وبذاءاته، وانقساماته، سوف يستشف مدى انقسام الشارع العربي.

وهناك وجهات نظر متعارضة بل متناقضة بين سلطات القرار حول أهم القضايا المصيرية، وأبرزها قضية فلسطين، حتى إن الصراعات امتدت إلى القوى الفلسطينية، وحتى إسرائيل تتساءل: «مع من نجلس ونتفاوض؟، ومن صاحب الكلمة باسم الشعب الفلسطيني؟ إذن نحن أمام أكثر من موقف، وأكثر من صاحب سلطة، وعلى الفلسطينيين أن يتفقوا فيما بينهم قبل أن نتحدث في أي شيء».. وعلى الجانب الآخر فإن إسرائيل نجحت بصورة غير مسبوقة في أن تمد جسورها مع أكثر من دولة عربية.

إن الشارع العربي الآن يعيش حالة انقسام دينية، تبتزه تيارات متطرفة تُكفر الآخر وتتاجر بالدين، فلم نعد نؤمن بدين واحد نزله الله على نبينا سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، ووصلنا إلى أقصى درجات العنف والإرهاب والجميع يدّعى أنه الأصدق قولاً والأصح ديناً.

إن الانقسامات السياسية أضحت تهدد تاريخ وجذور العلاقات بين الشعوب والحكومات العربية.. هناك الموقف من إيران وعدوانها على الدول العربية وأطماعها الواضحة في أن تصبح القوة المتسلطة في العالم العربي.. وهناك القوات الأجنبية التي تسيطر على دول عربية نفوذاً واستنزافاً كما نرى في ليبيا وسوريا واليمن والعراق، وهناك قرار عربي حائر بين العواصم العربية لا يجد من يوفر له الحماية والقوة.

والأسوأ من ذلك كله، هو حالة الانقسام التي يعاني منها الشباب العربي بعد أن أصابته حالة من الإحباط والاستسلام أمام انكسار ثورات الربيع العربي، وفشل هذه الأجيال في أن تغير شيئاً في الواقع العربي البغيض، ووصلت لعنة الانقسامات إلى الأسرة العربية، ومن يتابع ما يجري من البذاءات والتجاوزات بل والفضائح على مواقع التواصل الاجتماعي، سوف يكتشف إلى أي مدى وصلت بنا التصدعات الأخلاقية.

إن حالة التفكك التي وصلت إليها أخلاقيات الناس على مواقع «التدني الاجتماعي» يمكن أن تدمر آخر ما بقي من ثوابت هذه الأمة، فلم تعد عدواناً على أشخاص ولكنها تحولت إلى طوفان يجتاح الشعوب والأوطان.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


لا أدرى هل هناك قوة تستطيع الآن أن توحد كلمة الشارع العربي على دين واحد، نعبد الله تحت رايته؟!، ومتى تختفي أشباح العنف والإرهاب باسم الدين وقد دمرت أوطاناً وشردت شعوباً؟!، وهل يمكن أن نجتمع مرة أخرى على قضايانا المصيرية، ولا نترك أقدارنا في أيدي العابثين بمستقبل الشعوب؟!، وهل في مقدورنا التخلص من أساليب البطش والقهر والاستبداد، التي حرمت شعوبنا حقها في الحرية والكرامة؟!

إن انقسام الشارع العربي على نفسه وعلى شبابه وعلى ثوابته، بل وعلى عقائده، يؤكد أننا أمام مجتمعات تنهار ثوابتها التي عاشت عليها آلاف السنين.