خلود الفلاح

تقول«أغوتا»: المهم أن تتراكم المسودات في الدرج وننساها بينما نكتب أخرى

تحاول الكاتبة والروائية السويسرية من أصل مجري الراحلة «أغوتا كريستوف» في كتابها «الأمية: سيرة الكاتبة» أن تجيب عن سؤال هو: ما الفائدة من الكتابة؟.. تجيب كريستوف، التي توقفت عن الكتابة عام 2005، قائلة: «لقد صارت كل الأشياء سواء بالنسبة إليّ، حتى الكتابة.. لقد أعطتني الكتابة الكثير، لكنها ما عادت تمنحني الآن شيئاً».

يقول مترجم الكتاب، محمد آيت محمد: «في سيرتها المقتضبة تشير أغوتا كريستوف إلى أنها أصيبت بمرض القراءة منذ سن الرابعة وأنها لم تتوقف يوماً عن القراءة، وأن علاقتها بالقراءة والكتابة وحتى الحياة، علاقة مبنية على مصالحة خاصة بالنسيان».

ولدت صاحبة ثلاثية «الدفتر الكبير»، و«البرهان»، و«الكذبة الثالثة»، في قرية تشيكفاند بهنغاريا، وكان والدها مدرس القرية الوحيد، وبسبب ظروف الحرب والالتحاق بمدرسة داخلية كانت أقرب إلى ميتم، حيث الصمت إجباري، وهنا بدأت في تحرير ما يشبه دفتر مذكرات، قالت عنه: «اخترعت كتابة سرية حتى لا يتمكن أحد من قراءة مذكراتي».

عندما تريد والدتها معاقبتها على أمر مّا ترسلها إلى الوالد في المدرسة الذي بدوره يجلسها في المقاعد الخلفية مع كتاب مصور، وحين كانت تذهب لزيارة أهل والدتها في مدينة تتوفر على الكهرباء والماء يأخذها الجد ويجول بها على بيوت الجيران لتقرأ عليهم الجرائد بطلاقة، دون خطأ، وعن هذا الشعور كتبت موضّحة: «باستثناء فخر جدي بي، لم تحمل لي القراءة إلا اللوم من قبيل، إنها لا تفعل شيئاً.. تقرأ طيلة الوقت» وفي هذه المذكرات اعترفت بأنها لا تزال تحس بتأنيب الضمير، حيث يذهب جميع الجيران إلى أعمالهم، وهي تجلس إلى طاولة المطبخ لساعات كي تقرأ الجريدة، عوض أن ترتب البيت أو تغسل الصحون والملابس.

عندما وصلت في سن الواحد والعشرين إلى سويسرا استقرت في مدينة يتكلم سكانها الفرنسية، فواجهت لغة مجهولة تماماً بالنسبة إليها، وهناك بدأ نضالها لقهر تلك اللغة المركبة، ومع ذلك بحسب قولها ما زالت لا تعرفها حق المعرفة، ولا تستطيع التحدث بها دون أخطاء، ولا تستطيع الكتابة بها دون الاستعانة بالمعاجم.

وترى أغوتا أنه حين يكتب المرء بإصرار وأناة، دون أن يفقد البتة إيمانه في ما يكتبه يصبح كاتباً.. والمهم أن تتراكم المسودات في الدرج وننساها بينما نكتب أخرى.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟