د. محمد لعقاب

تناولت صحف عربية بنوعٍ من الغبطة والسرور، خبر إعلان بريطانيا انضمامها لما أسمته «حرب الساحل والصحراء» في مالي، حيث ستنشر بدءاً من عام 2020 نحو 250 عسكرياً على امتداد ثلاث سنوات.. لم أفهم سبب الغبطة، لأن المملكة المتحدة لم تكن أبداً غائبة عن الساحل بل كانت حاضرة دائماً عُدة وعتاداً، حيث كان لها 100 عسكري في المنطقة منذ يوليو 2018.

وبذلك أصبحت منطقة الساحل وتحديداً مالي، منطقة ذات وجود عسكري عالمي لقوات من نحو 20 دولة أوروبية، بعضها في إطار الأمم المتحدة لحفظ السلام قوامها 15 ألف عسكري، والبعض لتدريب الجيش المالي، والآخر في عملية «براخان» التي يشارك فيها 4500 فرد، إلى جانب مجموعة دول الساحل الأفريقي الخمس التي تضم كلاً من مالي، موريتانيا، النيجر، تشاد، وبوركينافاسو بإشراف فرنسا، والتي أُعلن عن إنشائها عام 2017، وتعدادها خمسة آلاف عسكري.

ورغم التحييد بالقتل أو الطرد لعدد كبير من الإرهابيين، إثر التدخل العسكري الفرنسي منذ يناير 2013 فيما يعرف بقوة «سيرفال»، التي واصلت عملها باسم «قوة براخان» عام 2015، ثم مع قوة «5 - ساحل»، فإن هناك مناطق بأكملها بقيت خارج السيطرة، بل أصبحنا نشهد أحياناً استعراضات إرهابية على شاكلة «حرب أهلية» قبلية.

وبدون شك، فإن هذا الفشل يطرح العديد من التساؤلات عن جدية محاربة الإرهاب، وعن عدم تمّكن مختلف التحالفات الدولية من القضاء عليه، في الوقت الذي أصبح خبراء السياسة يتحدثون عن تحول الإرهاب إلى أداة سياسة دولية.

وقطعاً، فقد ثبت أن التدخلات العسكرية لا تخدم سوى مصالح الدول الكبرى، فمنطقة الساحل مثلاً ليست منطقة تأوي الإرهابيين فقط، ولا منطقة صراع محلي، إنما هي منطقة ذات ثروات طبيعية هائلة، وإن الوجود الأجنبي فيها ليس سوى ضمان لتمويل الدول الصناعية بهذه المواد وبأسعار سنوات الستينات، لذلك فشلت ظاهرياً 30 دولة في محاربة داعش، لكنها عملياً نجحت في استغلال داعش لتحقيق مآربها.

مؤخراً فقط، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: «إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تحمي الملاحة في مضيق هرمز، بل يتعين على اليابان والصين أيضاً أن تؤمّن المضيق ذلك لأنها تستفيد هي الأخرى وتستورد النفط عبره.. يتعين على بعض الدول أن تدفع ثمن الحماية الأمريكية»، وعشية حرب العراق 2003 قال مسؤول عسكري أمريكي «إن أمريكا تدفع ثمن الحصول على النفط دماً، وعلى من أراد أن يحصل عليه دفع ثمنه»، والحديث هنا، قياس.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟