د. أسامة أحمد المصطفى

الأمر في الوقت الراهن أصبح كما «الشليل» الذي أكله «الدودو»

يعيش السودان مع شعور عميق ودائم بالهشاشة وانعدام الأمن، بسبب ضيق أفق أبنائه من السياسيين والعسكريين الذين جعلوا منه بلداً يتسم بضعف كفاءة الدولة في أداء مهامها الأساسية واهتزاز شرعيتها، بشكل جعل الشعب فيها عرضة لمجموعة واسعة من الأخطار.

منذ فجر الاستقلال إلى اليوم، أدى هذا الشعور إلى اتجاهات مختلفة ومتخلّفة تصطدم جميعها بمعايير بناء الدولة، وتتفاقم بسبب تجاهل شرعية الديمقراطية كصورة تمثل التعبير الأمثل عن المدَنية، إلا أن الميل إلى المبالغة في بسط القوة والقمع كوسيلة للبقاء على كرسي السلطة، جعل من هذه الديموقراطية هشاً مرهونا بالنزاعات الشخصية الزعائمية المتفردة بالحكم.

وبما في ذلك فإن معادلة صراع القوة بين السياسيين من جهة، وميل الجيش لفرض نفسه وبناء الجهاز العسكري الذي من المفترض أن يحمي الشعب والوطن من جهة أخرى، ولكن الأمر في الوقت الراهن أصبح كما «الشليل» الذي أكله «الدودو»، والشليل هو عظمة ساق الماعز تُلقى بعيداً ثم يتم البحث عنها، أما الدودو فهو حيوان خرافي في تراث السودان الشعبي، والذي غالباً ما، حسب الرُواة، يأكل الشليل.

وباستقراءٍ دقيق للأحداث التاريخية السودانية، اتضح أن تهشم القوى السودانية يتأتى بسبب الخلافات الداخلية بين رؤوس وأقطاب التكتلات والأحزاب، التي تجذرت فيها الذات وطلب الزعامة، وسرعان ما تتحول إلى خلاف، ظاهرهُ قضايا حركية أو دينية أوفكرية أو تداخل أجنحة متنافسة، لكن واقعه أمور شخصية وأنانية وتطلعات ذاتية مغلقة.

وهذه تعد خطيئة كبرى في حدّ ذاتها وليست مجرد خطأ، حيث إنها تمثل نفاقاً سياسياً تأباه طبيعة الإدارة، غذّاه غياب القيم الأخلاقية في العمل السياسي الذي يتحول إلى صراعات دموية.

إن احترام الرأي الآخر وإفساح المجال للاجتهاد، وتكريس الضوابط الشرعية الدستورية هي من أهم الأخلاقيات التي تحتاجها السودان اليوم، فهي تجسد الإجماع الوطني الجديد، الذي يستوعب جميع القوى والتيارات في أطر منسجمة لا تمر عبر الاستفراد بالحكم، واستخدام أساليب الإقصاء، التي تساهم في تنمية العصبيات والعقليات الدوغمائية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


إن الصلاح هو اصطفاف جميع القوى في إطار مشروع جامع، وتوفير الإرادة الصادقة لتوسيع دائرة النخبة وتمكين الشباب، والصالح هو الذي يحتمل الأذى ولا يرتكبه ولا شك أن شبابنا احتملوا الأذى، فهل من صالحين في المنحى يدركون أن الكرامة مجد يأتي نتيجة عقل مستقيم وجاد؟!