سارة المرزوقي

حين نتحدّث عن مؤسسات رعاية المواهب والمؤسسات الثقافية عموماً في دولة الإمارات، نلحظ السخاء في الاهتمام والبذل من الحكومة في رعاية كل أفراد المجتمع بمختلف شرائحه، صغاراً وكباراً، نساءً ويافعات، وأصحاب همم.

وهذا البذل ليس عشوائياً بل يأتي ضمن رؤى واستراتيجيات تسير عليها الدولة وتسخّر لها كل الإمكانات لتحقيقها عبر هذه المؤسسات.

هذا التوجه ليس جديداً على الدولة، فرؤية المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كانت سابقة لعصرها، فقد أدرك أن القوة الناعمة لا تأتي إلا عبر أدوات فكرٍ وعلمٍ وثقافة، وهذه الأدوات لا تمكن حيازتها بسهولة تامة، خصوصاً أننا نتحدّث هنا عن عناصر بشرية تبني نفسها بشكل تفاعلي وتعزّز إمكاناتها بناءً على قيم إنسانية، وهذا ما يؤكد صعوبة هذه المهمة وتعقيدها، بخلاف التعامل مع الحاسبات الآلية والتقنية التي تمكن برمجتها بسهولة وضمان دقّة عملها 100في المئة.

وقد أثبتت دولتنا الشابة على مدى العقود الماضية أنها تملك البنية التحتية الملائمة لإحداث نقلات نوعية في قطاعات شتّى متعددة، وهنا نستشهد دائماً بلغة الأرقام التي هي غالباً ما تكون الفيصل عند الحاجة إلى دليل دامغ.

لكن في نطاق تأثير المحتوى الثقافي وجودته ونوعيته، فإنه آن الوقت لطرح أسئلة مثل: «كيف لنا أن نتحقّق من مدى استفادة الجمهور من الخدمات المقدّمة؟»، بدلاً من: «كم عدد الخدمات؟»، أو: «كم كان عدد الحضور في الفعاليات؟»، وقد تجيبنا المؤسسات الثقافية بأن دورها لا يتمثّل في قياس التطور بل في تنشيط حركة ثقافية وحسب، وإذا كنا سنقبل بهذه الإجابة ونسلم بها، فربّما علينا أن نتساءل: «من هي الجهة الراصدة التي يمكن أن تُسهم في متابعة تطوّر المحتوى الثقافي أو الفكري وتجويده؟»، ولو كانت هذه الجهات موجودة فعلاً على أرض الواقع، فما هي حدود سلطتها؟، وما مدى فاعلية دورها؟، وما هي آلية التنسيق المتّبعة مع المؤسسات الثقافية لتسهيل عملية رصد المحتوى وتصنيفه ووضع الاستراتيجيات؟ والأهم: هل سترحّب المؤسسات بالتعاون في هذا الصدد بكل شفافية؟، لا سيما أن المجال سيكون مفتوحاً للنقد والأخذ والرد.

إن الأرقام برّاقة وجميلة، لكن يجب ألا تجعلنا نغفل عن أهمية المحتوى ودراسته بهدف البناء على التجربة وتطويرها، خصوصاً أننا في عصر الانفتاح على الآخر، قد لا يهتم هذا الآخر دائماً بالكم الذي نوثّقه بقدر الكيف الذي يتعامل معه ويمكن من خلاله أن يكوّن صورة عن فكرنا وثقافتنا.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟