مالك العثامنة

نتذكر جميعاً أن الآلة البخارية كانت عنواناً للثورة الصناعية في التاريخ البشري، ومنها تغير وجه العالم آنذاك، وتغيرت معه قوى العالم وسياساته وجغرافياته وعلاقاته على كل المستويات.

حينها.. كان الصحافيون والكُتاب والمؤثرون مثل كل الناس الآخرين، لا يدركون حجم الزحزحة القارية التي يتعرض لها العالم بكل مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

فالآلة البخارية غيرت وجه العالم ليس مرة واحدة ولا بفترة زمنية قصيرة.. لقد خاضت البشرية تحولاتها الخاصة لزمن طويل قبل أن تصل إلى ما وصلت إليه من أشكال دول حديثة، وعلاقات، وتشريعات تنظم العلاقات ونقابات، وأحزاب سياسية، وتحالفات دولية، وقوى مهيمنة، وقوى تحاول البحث عن مكانها في مدارات الهيمنة.

وتلك التحولات أيضاً، ساهمت في تغيير بُنى التعليم والمعرفة حتى حطت رحالها بنا في أرض التكنولوجيا الحديثة، ومن ثمّ دخلت بنا في زحزحة قارية تاريخية نعيشها اليوم، هي عالم الاقتصاد المعرفي والثورة الرقمية.

تلك الثورة الجديدة الضخمة، والمتسللة بهدوء شديد إلى حد أن الصحافيين والكتاب والمحللين وكل المؤثرين من أقرانهم في بدايات الثورة الصناعية، لم يدركوا حجم وتداعيات تلك الزحزحة التاريخية الهائلة.

والمثال الذي يحضرني هنا، أنني كنت قبل يومين أعمل على دراسة تحليلية مطولة، أَجريتُ فيها اتصالات دولية عديدة لجمع المعلومات حول المتغيرات الإقليمية في الشرق الأوسط، فدوماً كانت هناك ترابطات «غير مفهومة بأدوات التحليل التقليدية» مع شركات التكنولوجيا، وتغيرات الأنظمة المصرفية، وتحولات أنواع الطاقة المستخدمة في العالم!، وكل تلك المعطيات كانت وسواها مرتبطة بقضية فلسطين مثلاً، وإرهاصات ما يسمى بصفقة القرن!.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


وأعود وأتعمق أكثر في بحثي ودراستي، محاولاً فهم الروابط، فأجدها واقعية ضمن منظومة مصفوفات اقتصادية عالمية تتشكل من جديد في عالم اقتصاد المعرفة، والثورة الرقمية، ومصادر الطاقة الجديدة في هذا العالم الجديد طور التشكل.

أصاب بخيبة أمل، وأنا أتحدث مع أقراني من محللين سياسيين ومعارضين لصفقة القرن ومؤيدين لها محاولاً بكل معرفتي المتواضعة، أن أفسر تلك التغيرات العالمية الضخمة فلا أجد إلا اللامبالاة والاستمرار باستخدام ذات أدوات التحليل البائدة التي باتت عقيمة في تشريح جسد الحالة الجديدة.

لا أدّعي أنني أملك الأدوات التحليلية المناسبة، بقدر ما أزعم أنّي أحاول فهم الحالة العالمية التي تتبلور، وهي دعوة مفتوحة للجميع للخروج من القوقعة التي ستتكسر قريباً مع التغيرات العالمية، إنه أثر الفراشة لكنه إلكترونيٌ هذه المرة، فلغة برمجة جديدة في الهند قد تصنع حرباً في الإكوادور، وقِس على ذلك ما شئت.