مصطفى طوسه

تقف العلاقات الفرنسية ـ الأمريكية على جرفٍ عميق رغم أن الدولتين حليفتان تقليدياً

تفاجأ الرأي العام الفرنسي والدولي باللهجة الحادة التي خاطب بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعدما قررت الحكومة الفرنسية فرض ضريبة على كُبريات الشركات الرقمية.

ترامب وصف قرار ماكرون بالغبي، وتوعد باتخاذ إجراءات عقابية ضد البضائع الفرنسية التي تباع في الأسواق الأمريكية، ونبرة كلام ترامب اتجاه الفرنسيين جاءت صفعة مدوية لكل من كان يعتقد أن الرئيس الفرنسي، الذي وصل إلى منبر القيادة العالمية في نفس الوقت الذي انتخب فيه الرئيس ترامب سيداً للبيت الأبيض، كان بإمكانه إقامة علاقة خاصة ومتميزة معه، حتى أن من بين الزيارات المفصلية الأولى التي قام بها إيمانويل ماكرون إلى حلفائه في الخارج، ما كانت لواشنطن وكان عنوانها: «الرئيس والطموح!».

محاولة الإقناع والتأثير على مواقف دونالد ترامب بالعودة إلى اتفاق باريس حول المناخ وعدم الخروج من اتفاق فيينا حول النووي الإيراني، بهذا كان الرئيس الفرنسي ماكرون يعتقد أنه سيستغل الطاقة الإيجابية التي أنتجتها عملية انتخابه في فرنسا والتي انبهر بها دونالد ترامب، وباستغلال علاقة الجفاء بين ترامب والبريطانية تريزا ماي، ونفور يهدد بالقطيعة مع الألمانية إنجيلا ميركل، بينما كان إيمانويل ماكرون المحاور الأوروبي المفضل لترامب، كل ذلك تلاشى قبل أن يصل كلٌّ من الإيطالي ماتيو سالفيني والبريطاني بوريس جونسون إلى السلطة في كل من روما ولندن.

اليوم، تقف العلاقات الفرنسية ـ الأمريكية على جرفٍ عميق، رغم أنهم حلفاء تقليديون في المنظومة الأطلسية لكن مصالحهم الاقتصادية والعسكرية والسياسية أخذت تنتج تيارات مضادة. وباسم تطبيق عقيدة «أمريكا أولاً» والتي استقطب ترامب من خلالها الأمريكيين، يريد ترامب الآن من الأوروبيين أن يدفعوا ثمن حماية الحلف الأطلسي لمصالحهم عبر رفع سقف ميزانية وزارة الدفاع، التي ستستثمر حتماً في شراء معدات أمريكية، محاولاً في نفس الوقت أن يفرض على منتوجاتهم ضرائب إضافية ستقلل حتماً من قدرتهم التنافسية.

إن الرئيس الأمريكي لن يخفي نيته مساعدة بوريس جونسون في الانخراط في طلاق بدون اتفاق يضرب به عصفورين بحجر واحد: الاستفراد بالمملكة المتحدة وفرض اتفاق اقتصادي يخدم المصالح الأمريكية، ومن ثم إضعاف منظومة الاتحاد الأوربي، التي يعتبرها ترامب خلافاً لكل من سبقوه في البيت الأبيض، تجمعاً دولياً اقتصادياً وسياسياً ينافس القيادة الأمريكية على زعامة المسرح العالمي عِوَض اعتبارها حليفاً استراتيجياً وتاريخياً للولايات المتحدة.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟