أحمد المسلماني

من المؤسف أن تكون السلطة ظلماً وأن يكون العلم دماً!

قال لي الدكتور أحمد زويل: يجب أن تأتي إلى نيويورك، فأنا لن آتي إلى واشنطن، سأنتظرك في الموعد، وأتمنى ألّا تقضي وقت اللقاء تائهاً في مانهاتن. في بهو فندق إنتركونتننتال مانهاتن، تحدثت مع الدكتور أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في العلوم بشأن كتاب «عصر العلم» التي تشرفت بتحريره، وكتب مقدمته الأديب العالمي نجيب محفوظ.

سألت الدكتور زويل عن الاجتماع الذي يحضُره في نيويورك فقال لي: إنه عضو مجلس إدارة إحدى الشركات العملاقة.

وبينما يتحدث دكتور زويل عن دوره في مجلس الإدارة، والذي تعرضنا له في كتابه «عصر العلم».. جلس إلى المائدة المجاورة وجه أمريكي معروف.

قلت للدكتور زويل: إنني أعرف هذه الشخصية.

قال لي: إنه روبرت ماكنمارا.. زميلي في مجلس الإدارة.

قلت له: لقد درست نظريات ماكنمارا في الأمن القومي، وفي السياسات العامة، ولقد اطلعت على جانب من دوره في أزمة الصواريخ الكوبية 1962، وكذلك دوره في حرب فيتنام.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


قال لي: تعال أعرفك عليه، فشخصيته في الواقع غير شخصيته في السياسة، تعرّفت على ماكنمارا.. ثم سألني عمّا أعمل في أمريكا وعمّا أعمل في مصر.

قلت له: إنني كاتب مصري، وفي زيارة إلى الولايات المتحدة، وأنني درست كتابه «جوهر الأمن».. قال لي: الأمن القومي أوسع من الاستيعاب، وحين يتولى المرء منصباً يُدرك أن النظريات التي يعرفها وحدها لا تكفي، وحين تمضي السُّنون يدرك المرء أن رؤيته الواقعية نفسها لم تكن بالضرورة هي الأنسب.

تذكرت روبرت ماكنمارا بمناسبة مرور عشر سنوات على رحيله.. فقد رحل الاستراتيجي الأمريكي عام 2009 بعد 93 عاماً.. كان في معظمها شخصاً محظوظاً، لكن خصومه كانوا سيئي الحظ إلى أبعد الحدود.

تخرج ماكنمارا من جامعة هارفارد، وعمل في سلاح الجو الأمريكي أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم كانت دورة الحظ: رئيساً لشركة فورد، ثم وزيراً للدفاع لأطول فترة في تاريخ الولايات المتحدة، ثم رئيساً للبنك الدولي لمدة 13 عاماً!

كان ماكنمارا وراء الكثير من مأساة فيتنام، وحسب مراسل مجلة «ذا نيويوركر» في الحرب، جوناثان شيل، فإن ماكنمارا أمر بمنع نشر تحقيقه الصحافي في فيتنام، حيث كان فاعلًا رئيساً في تلك السياسات التي أدت إلى مقتل 60 ألف أمريكي، وأربعة ملايين فيتنامي!

اعترف بعد سنوات بحجم الكارثة، وفي كتابه «استرجاع الأحداث» أقرّ الاعتذار الشهير: «لقد كنّا على خطأ.. كنّا على خطأ جسيم». كتب عن السلاح النووي، والأمن القومي، وتحليل السياسات، وعاش في الذروة السياسية والمالية معظم حياته، غير أنّه إذا ما جاء ذكره اليوم في أي شيء.. تكون الإجابة: آه.. نعم.. نتذكره.. إنه سبب حرب فيتنام.من المؤسف للغاية أن تكون السلطة في خدمة الظلم، وأن يكون العلم في خدمة الدمّ!