د. فاتح عبد السلام

التخلّي الأمريكي الروسي عن معاهدة تاريخية كبيرة ذات «صفة نووية» وقعها الرئيسان الأسبقان الأمريكي رونالد ريغان ونظيره (السوفياتي) آنذاك ميخائيل غورباتشوف عام 1987 في واشنطن، هو بداية لمجهول يندفع بقوة على طريق تسلّح جديد، يخرج نهائياً من حقبة ليلج في أخرى، والتي ربما كانت أعنف من فصول الحرب الباردة في أوجها.

ذلك أنّ معاهدة 1987 الملغاة أكبر أهمية من اتفاقية الحد من الأسلحة الاستراتيجية (سالت 1) في 1972، و«سالت 2» في 1979، التي جاءت للحد من القاذفات الجديدة للصواريخ الباليستية، والتي كانت بداية التفاهم بين واشنطن وموسكو لطمأنة العالم عبر إبعاد نسبي لشبح الحرب النووية، لا سيما من خلال حلفاء البلدين الذين كانوا ينزعون نحو التفكير في إنتاج التقنية النووية خصوصاً في آسيا.

ونصّت المعاهدة التي يتبادل الأمريكان والروس الاتهامات حول أسباب التخلّي عنها، على تدمير الصواريخ التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر في السنوات الثلاث التالية لدخولها حيز التنفيذ، والتي أفضت إلى نتيجة استحسنها العالم في تدمير 2692 صاروخاً قبل حلول 1991، بما يعادل كل الصواريخ متوسطة المدى تقريباً، وهي تشكّل أكثر بقليل من أربعة في المئة من مجموع الترسانة النووية للبلدين في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي.

لتعلن الولايات المتحدة بسرعة فيما بعد عن تطوير صاروخ جديد في أعقاب إلغاء المعاهدة، ويعلو الحديث عن قدرة صاروخية جديدة للعملاق الصيني في آسيا، وتظهر روسيا كذلك عنايتها البالغة ببرنامج تطوير الأسلحة الدفاعية الاستراتيجية، أما إيران فاعتبرت برنامج صواريخها بعيدة المدى خطاً أحمر.

إنّ هذا التسابق الجديد نحو فضاءات مفتوحة من التسلّح غير الخاضع لاتفاقيات وتفاهمات بين العمالقة النوويين، يجعل الخلافات السياسية والاقتصادية خاضعة لسقف ذلك السباق وتداعياته، بينما العرب ليس أمامهم سوى تعزيز التحالفات الاقتصادية، وتنسيق المواقف بينهم سعياً لتلك الوقاية المطلوبة لمنع التأثّر بإفرازات الصراع التسليحي الجديد.

إن ما يُخشى منه هو أن تتسلل أزمة الملف النووي، وبرنامج الصواريخ الإيراني، من خلال بوابات الصراع بين الكبار، وفي ضوء ذلك الجو المُحتدم يمكن أن نقرأ تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على أنّه غير قلق من التجربة الجديدة لصاروخ باليستي كوري شمالي، في الوقت الذي لم تُسفر المباحثات الأمريكية - الكورية عن نتائج مُجدية في ملف نزع السلاح النووي.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟