د. واسيني الاعرج

ماتت؟ لا لم تمت. «جميلة» ذاكرة أكبر من نفسها، وأكبر من الموت، شابة بسيطة شدت العالم الحُر زمناً قبل أن يحولها إلى أيقونة خالدة، يومها لم تصدق جميلة وهي تسمع حكم الإعدام على نفسها أنها أصبحت أيقونة أمام عدالة استعمارية تسير في اتجاه واحد.

في أبريل 1957 جُرحت في حملة عسكرية في العاصمة، وشكّت الشرطة الاستعمارية في انتمائها لجبهة التحرير الجزائرية، فألقي عليها القبض وحُكم عليها بعد محاكمة صورية بالإعدام، ولكن التنفيذ عُطل بسبب الحملة الإعلامية التي شنها جاك فيرجيس، محاميها، وصديقه جورج أرنو اللذان استماتا في الذهاب بالقضية بعيداً وتدويلها مع فضح ممارسات القتل الجماعي في الجزائر والتعذيب.

نشـر فيرجيس كتـابـاً فـي الدفــاع عـن جميـلة برفقة صديقه جـورج أرنــو «pour Djamila Bouhired»، الذي كتب مقدمته فتحول الكتاب إلى مرافعة من أجل العدالة. أوصل جاك فيرجيس القضية إلى رئيس فرنسا آنذاك الجنرال دو غول الذي اعترف بقوة المرافعة، وفجأة تحولت قضية جميلة إلى قضية عالمية فضحت التعذيب والإعدامات في الجزائر، وتحول الحكم إلى مؤبد قبل أن يطلق سراحها مع الاستقلال.

عندما سُئل فيرجيس: ماذا كنت ستفعل لو نفذ الإعدام في جميلة؟، قال: كنت سأجد سلاحاً وأطلب موعداً مع القائد العسكري الفرنسي للجزائر أو غيره وأغتاله ثم أسلم نفسي للعدالة. تطورت قصة جميلة النضالية إلى علاقة إنسانية، انتهت إلى زواج في سنة 1965، وعاش الزوجان معاً قرابة عشر سنوات، أنجبا خلالها مريم وإلياس.

أسّس فيرجيس مجلة الثورة الأفريقية التي استمرت طويلاً بعده، قبل أن يسافر بسرية تامة في السبعينات إلى مكان غير معلوم ويغيب لمدة ثماني سنوات ويظهر من جديد، لا أحد إلى اليوم يعرف بدقة أين ذهب فيرجيس؟ تسبب ذلك الغياب في انفصاله عن جميلة، ولكن كل التصريحات والتلميحات والإشارات تقول إنه كان في بيروت مع مناضلي المقاومة الفلسطينية التي ناصرها حتى موته، وكتب عنها ورافع من أجلها، مما جلب له عداء كبيراً من الحركة الصهيونية العالمية التي ألصقت به كل الأوصاف والتهم من معاداة السامية حتى العمالة مع قوى معادية، وهذا الطرح يدحض الفرضية التي ترى أن فيرجيس اختفى لأنه كان في كمبوديا، حينما اختار الوقوف إلى جانب بول بوت زعيم الخمير الحمر؟

يلمّح الكثير من الوثائق إلى علاقة المحامي الفرنسي مع الفلسطينيين، كما يرِد في شهادات بعض الأشخاص الذين عرفوه، أو سمعوا عنه مثل رئيس حزب الكتائب اللبنانية كريم بقرادوني، الذي يروي أنه سمع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يقول للمسؤول عن أمنه في منظمة التحرير حسن سلامة في 1973: «تابعوا مع فيرجيس».

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


نشر فيرجيس وقتها كتاباً بعنوان: «فدائيون» عن المناضلين الفلسطينيين، وذهب تاركاً وراءه أسئلة كثيرة معلقةً وظِلاً لأيقونة أصبحت اليوم جزءاً من الميراث العالمي.