د. انتصار البناء

ساهمت وسائل التواصل وتفاعلها مع العديد من مشكلات النساء العربيات على المستوى العام أو على مستوى القصص الفردية للترويج لمصطلح النسوية Feminism، وككل حالات الجدل العربي أصبح هذا المصطلح مثيراً للريبة والسِجال، فمنهم ومنهن من يدافع عن اتجاهاته الحقوقية ومنهم من يختزله في الإباحية.

إن تاريخ الحركات النسوية في العالم مُتعدد وثري، نهض بوضع المرأة الحالي عبر عشرات السنوات من نضال النساء المقموعات في شتى أقطار الأرض، ومصطلح (النسوية) مفهوم من مفاهيم عصر ما بعد الحداثة الذي اهتم بالجماعات الصغيرة المُهمشة، كالنساء، والمهاجرين، واللاجئين، والسود. فإحدى صور النضال النسوي كانت في الدول الأوروبية المتقدمة، حيث طالبت النساء بمساواة حقوقهن بالرجل في التعليم والعمل والأجر والانتخاب والترشح للمجالس.

صورة أخرى للنضال النسوي قادته «النساء السود» في الولايات المتحدة الأمريكية، طالبن فيه بوقف اغتصاب السيد الأبيض لهن وبحقهن في امتلاك أبنائهن، ومنع بيع الأبناء عبيداً وعمالاً في المزارع، و استمر هذا النضال القاسي قبل إلغاء العبودية وبعدها، حيث استمرت الممارسات اللاإنسانية ضد الخادمات السود بسرقة أبنائهن ونقل ملكيتهن فاستمرت العبودية بصيغة مموهة.

كل النضالات السابقة تكبدت فيها «النسويات» الآلاف من القتيلات في مقابل القليل من الإنجازات، إذ يكفي أن نعلم أن المرأة حصلت على حق التصويت في الانتخابات في فرنسا عام 1917م، وفي بريطانيا 1918م، وفي أمريكا 1920م، وبشروط خاصة. كما أنها لم تحصل على رواتب مساوية للرجل إلا في سنوات متأخرة من القرن الـ 20، بسبب الحربين العالميتين اللتين أودتا بحياة ملايين الرجال.

والمؤسف أن يتم حالياً، التركيز على بعض الأصوات الثقافية التاريخية التي اهتمت بالحرية الجنسية للمرأة واعتبارها مفهوماً نسوياً جوهرياً، حيث إن تلك الآراء لم تشكل تياراً أو تسفر عن تكوين جماعات ضغط، فبقيت أصواتاً فردية تمثل أصحابها ومريديهم فقط، وما زالت الحرية الجنسية ضمن مفاهيم الحرية الفردية للجنسين، ولم تُدرج ضمن اتجاهات أو مطالب الحركات النسوية الرسمية والفاعلة.

لذلك فإن النسوية مفهومُ نضالٍ جماعي لحقوق النساء الرئيسة في المجتمعات التي ترى في الرجل قوامة المجتمع، وأن المرأة تابعة وثانوية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


إن ما تلجأ إليه بعض النساء من نسب أنفسهن للنسوية لمجرد مطالب شخصية في التحرر أو التمرد أو لوجود مشكلات أسرية أو طلباً للجوء في الدول الغربية، ليس منهجياً، فالنسوية ثقافة خاصة ورفيعة، وليست سلوكاً منحرفاً.