فاروق جويدة

شاعر وكاتب صحفي – مصر

كلما شاهدت أحوال اللغة العربية التي كانت جميلة أشعر بحزن عميق، إننا تركناها هائمة حائرة في ساحات المدارس والجامعات والشاشات وحتى نشرات الأخبار.. إذا جلست مع مثقف عربي فسوف تسمع القصص والحكايات عن أحوال العربية التي انزوت بعيداً عن أبنائها وتحولت إلى تاريخٍ كالآثار والحضارات التي سقطت من ذاكرة الزمن والبشر والحياة، بينما هي واحدة من أغنى لغات العالم ثراءً وقيمةً وإيقاعاً.. يكفيها شرفاً ومجداً أنها لغة قرآننا الكريم.

لا أريد أن أقول إن العربية تعرضت لمؤامرة منذ سيطرة اللغات الأجنبية في كثير من بلادنا العربية، ففي فترة ما سطت اللغات الأجنبية على الشارع ولم تكن المؤامرة قاصرة على تلاميذ المدارس ولكنها اجتاحت الحياة الاجتماعية كلها.

أصبحت اللغات الأجنبية حديث الناس في المعاملات اليومية والمحال التجارية والمؤسسات العامة، وهناك دول تخلت تماماً عن اللغة العربية، واستخدمت اللغات الأجنبية وهناك إدارات لا تستخدم اللغة العربية إطلاقاً.

إن معظم المحال التجارية تحمل أسماء أجنبية، فقليلاً ما تجد اسماً عربياً على المولات والمطاعم والفنادق والمدارس والجامعات.

ومعظم المدارس في الدول العربية لا تستخدم العربية في مناهجها بل أن بعض المدارس تمنع تدريسها تماماً، وهناك بعض آخر وهو قليل جداً يضع مناهج محدودة لتدريس اللغة العربية، فلم يكن غريباً أن تجد الأطفال يجيدون اللغات الأجنبية ولا يتحدثون العربية، حتى مناهج التاريخ والتربية الدينية والتربية القومية سقطت في هذه الدائرة ومعظم هذه المناهج لا تدرس في الأساس في المدارس الأجنبية.. ولنا أن نتخيل تلميذاً لا يعرف شيئاً من لغته ولا تاريخ وطنه ولا الدين الذي يؤمن به.. فماذا سيبقى له بعد ذلك؟

في جلّ وسائل الإعلام العربية قليلاً ما نستخدم اللغة العربية الفصحى، وبعض من الفضائيات فقط تستخدم اللغة الفصحى ولكن الغالبية تعتمد العامية، والأغرب أن استعمال العامية طغى حتى على المقالات والتحليلات والآراء.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


إن الأخطر الآن في هذه الكارثة، هو انتشار الغناء باللهجات العامية التي لا يفهمها إلا أبناؤها، وقد كان ذلك سبباً في تقهقر الفصحى في كل الفنون ابتداء بالغناء وانتهاء بالمسلسلات التلفزيونية، ولا شك أن هذا التوجه سوف يؤدى إلى مزيد من الانقسامات بين الشعوب العربية، فقد أصبح لدينا الآن أكثر من لهجة وأكثر من غناء وأكثر من فن لا يفهمه أحد.

لقد كانت اللغة العربية الفصحى حصناً من الحصون التي حفظت ثوابت هذه الأمة، وكانت دائماً تجمع الشعوب العربية على كلمة سواء، ولكننا الآن نعانى من غيابها، وهذا بلا شك خطر يهدد الثوابت والجذور في الواقع العربي الذي أصبح يعاني أمراضاً كثيرة أخطر ما فيها انهيار حصن اللغة الجامعة وما يترتب عليه من انقسامات وآثار سيئة.