عبدالجليل معالي

في السباق الانتخابي التونسي الذي ارتفع منسوبه في الأسابيع الأخيرة، بدا أن عملية تحويل أنظار ماكرة قد جرت في البلاد، حيث تركزت أنظار الجميع، فاعلين سياسيين وجماهير وقواعد، على الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها يوم 15 سبتمبر المقبل.

قد يقال إن ذلك أمر عادي ومفهوم، باعتبار الأسبقية الزمنية للاستحقاق الرئاسي على الانتخابات التشريعية، إلا أن تركيز الأحزاب والشخصيات المستقلة على المفصل الرئاسي بدا مبالغاً فيه، ويشي بإهمال غير مفهوم لما تعنيه الانتخابات التشريعية في بلد يتبنى نظاماً سياسياً شبه برلماني.

منذ وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، وما فرضه الحدث من مآلات دستورية قضت بتقديم الانتخابات الرئاسية، تدافعت الأحزاب والشخصيات المستقلة إلى تقديم الترشحات للانتخابات الرئاسية، ووصل الرقم إلى عدد قياسي مقارنة بحجم البلاد ومشهدها السياسي.

إذ أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الأربعاء الماضي أنها قبلت بصفة أولية 26 طلب ترشح للانتخابات الرئاسية، ورفضت ما يناهز 71 طلب ترشح، إلا أن العدد المقبول أولياً، يظل دليل تشتت انتخابي وعلامة سباق انتخابي غير منسجم مع ما يقتضيه النظام السياسي.

في خلفية هذا التشخيص، تذهب النهضة نحو الانتخابات الجديدة، مدججة بخزانها الانتخابي المنضبط أيديولوجياً، وتسير نحو الانتخابات واثقة من ضعف المنافسين، وتدخل الانتخابات التشريعية بنوايا غير خافية.

لقد ترشح راشد الغنوشي للانتخابات التشريعية عن إحدى دائرتي العاصمة، وفي ذلك عزم مضمر على الوصول إلى رئاسة البرلمان وهو أمر مرجح.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


وإذا قدرنا أن النهضة لن تعجز عن تشكيل كتيبة برلمانية وازنة، تتيح لها تأليف الحكومة أو المشاركة بفعالية في ذلك، فإن هذه العناصر مجتمعة تعني أن الحركة ماضية نحو الهيمنة على السلطة التشريعية (البرلمان) والتنفيذية (الحكومة)، فضلاً عن الحظوظ الوافرة التي يمتلكها مرشح الحركة للانتخابات الرئاسية (عبد الفتاح مورو) للوصول إلى سدة الرئاسة أو المنافسة عليها بشراسة.

للمشهد السياسي التونسي الراهن وجه وقَفَا.. الوجه ماثل في تشتت الأصوات الانتخابية المترتب عن كثرة الترشحات في الاستحقاقين، وقَفَا المشهد كامن في أن النهضة ماضية (بفضل تضافر عوامل كثيرة أهمها غياب منافسين مدنيين حقيقيين) نحو الإطباق على كل مؤسسات البلاد.

الملاحظ أن التمكين في الأدبيات الإخوانية ينقسم إلى مراحل ثلاث هي: نشر الرجال، ونشر الأفكار، وتنفيذ الأفكار، وقد نشرت النهضة رجالها في كل المؤسسات والهياكل، ومارست صبراً عجيباً على الأنواء السياسية وانحنت لكل العواصف، لكنها تواصل نشر أفكارها بتؤدة، وإطباقها المستقبلي المحتمل على كل مفاصل السلطة سيتيح لها تنفيذ أفكارها بأريحيَّة.