فينيامين بوبوف

موسكو: لا بديل عن الحل السياسي للأزمة الليبية

يبدو أن التطور الأكثر أهمية في العلاقات الدولية يكمن في التحدي القائم الآن بين العمل على تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب يتصف بالموضوعية والنزاهة والديمقراطية من جهة، وبين الرغبة في تشكيل مجموعة ضيّقة من دول تقودها الولايات المتحدة للتصدي لفكرة تشكيل ذلك النظام، ومحاولة ضمان الهيمنة على العالم في جميع المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وتجاوز الأعراف والحقائق المتفق عليها في مجال احترام حقوق الإنسان، وتجاهل الحركية الطبيعية لمسيرة التاريخ، من جهة ثانية.

وبات واضحاً أن مراكز النمو الاقتصادي والمالي العالمي تتحول الآن جغرافياً من الغرب إلى مناطق أخرى في العالم، ومن أجل التصدي لهذا التوجه الجديد، يلجأ زملاؤنا الغربيون وخاصة الأمريكيون منهم، إلى اتباع أساليب وممارسات لا ضمير لها ولا وازع تعتمد على المنافسة غير العادلة ومحاولة الانفراد بالمصالح واحتكار العوائد، وحتى يتحقق لهم ذلك فإنهم يتبعون طرقاً منهجية، مثل فرض العقوبات الاقتصادية والابتزاز والتهديد وتوجيه الإنذارات وممارسة الضغوط المباشرة، بما فيها استخدام القوة العسكرية مثلما حدث عند التدخّل في الأزمة اليوغسلافية عام 1999 والعراق عام 2003 وليبيا عام 2011، وفي هذه الحالات كلها، لم تتحسن أوضاع مواطني تلك الدول الذين كانوا يواجهون الموت.

وفي ليبيا، أصبح مصير الدولة ذاتها محل تساؤل، ولا تزال الأخبار السيئة تتوارد من هناك، وبالرغم من الهدنة التي أعلن عنها مبعوث الأمم المتحدة بمناسبة عيد الأضحى، إلا أن وتيرة العنف بين المعسكرين المتقاتلين ازدادت حدّة.

وفي العاشر من أغسطس الجاري، شهدت مدينة بنغازي حادث تفجير نفذه إرهابيون قاموا بتفخيخ سيارة بالمتفجرات، قتل نتيجته ثلاثة من أعضاء بعثة الدعم التابعة للأمم المتحدة وأصيب عشرة أشخاص بجروح، وجاء التصعيد الأخطر بين المتقاتلين متزامناً مع مناقشات دارت في جلسة طارئة لمجلس الأمن وشجب فيها مندوب روسيا بقوة هذه الحوادث، التي تهدد حياة وأمن المواطنين الليبيين وممثلي المنظمات الدولية التي تعمل في ليبيا.

وفي ظل هذه الأوضاع التي تتفاقم فيها الفوضى بسبب الغياب المتواصل للحكومة المركزية والمؤسسات الفعالة للدولة، يجد الإرهابيون الفرص السانحة لممارسة نشاطاتهم، وما حدث في بنغازي خير دليل على ذلك.

ولا يمكن وقف دورة القتال والعنف في ليبيا إلا من خلال الجهود المشتركة لكل القوى الوطنية، وقد كان موقف روسيا واضحاً في هذه القضية، وسبق لها أن قالت: لا بديل عن الحل السياسي للأزمة الليبية، ولهذه الغاية، كانت تطالب باستمرار بوقف فوري وثابت وطويل الأمد لإطلاق النار كخطوة أولى في سبيل التوصل للحل السياسي المنشود، وفي نفس الوقت، طلبت من كل القوى العسكرية المتقاتلة في ليبيا الجلوس على طاولة المفاوضات والاتفاق على إطلاق عملية تسوية سياسية شاملة، يكون هدفها الأول تجنّب تقسيم البلد، وإعادة تشكيل المؤسسات الفعالة والموحّدة والقادرة على تحقيق السلام والرخاء على الأرض الليبية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟