مارك لافيرني

بعد ثماني سنوات من بداية المأساة السورية، عندما بدا كأن الجيش السوري الحر يحمل معه بوادر تحقيق نوع من التغيير، اتضح أن تركيا هي التي شهدت هذا التغيير، وفيما كانت بلداً ينعم بالرخاء ويتجه نحو مستقبل مشرق، فإنها تواجه الآن أزمة اقتصادية حادة، وكأنها باتت أكثر انقساماً على نفسها من أي وقت مضى، وكان ذلك واضحاً من خلال نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة المفاجئة وخصوصاً في مدينتي أنقرة وإسطنبول.

وللوهلة الأولى، بدا وكأن هذا الانقسام حدث بين دعاة الحنين إلى الماضي وأنصار التطلع إلى المستقبل، إلا أنه كان في حقيقة الأمر تباين بين نظرتين متناقضتين نحو المستقبل، أو نحو الماضي.

ويجب أن ننظر إلى تركيا في وضعها الراهن على أنها من بقايا الإمبراطورية العثمانية العظمى التي امتدت حدودها خلال أربعة قرون من أقصى المغرب وحتى اليمن، ومن مشارف فيينا حتى شواطئ الخليج العربي، وعندما تحالفت بعض الإمبراطوريات الغربية لإسقاطها خلال الحرب العالمية الأولى (وخاصة ألمانيا والإمبراطورية النمساوية - المجرية)، سرعان ما تفككت وانكمشت إلى أن بلغت حدود الدولة التركية الراهنة، وتطورت بعد ذلك الرغبة التركية بالانتقام من الدول الناشئة عن تفكك إمبراطوريتها البائدة.

وحتى داخل تركيا ذاتها، أدت سلسلة من حمامات الدم إلى القضاء على ملايين الفلاحين والمواطنين المسالمين وهو ما وضع نهاية لظاهرة التنوع العرقي والتعايش الديني، الذي كان سبباً في رخاء ونهضة الإمبراطورية السابقة.

ومن خلال زيارة لكاتدرائية القديسة صوفيا، والتي تحولت إلى مسجد (آيا صوفيا) ثم إلى متحف الآن، يمكن للمرء أن يصيبه العجب من ميل «محمد الفاتح» للانفتاح والتسامح، وبالرغم من إيمانه الديني الحقيقي إلا أنه كان يعبر عن إعجابه باللوحات التي تمجد مريم العذراء والمسيح ويوحنا المعمدان، وهي الصور المعلقة على جدران الكاتدرائية والتي باتت مقصداً للسياح من كل أنحاء العالم.

وهذا الشعور يتناقض مع موقف مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، الذي اشتهر بعلمانيته وممارساته القاسية ضد أتباع المذاهب والمعتقدات والعادات المحلية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


ومن خلال أحلامه باستعادة عظمة الإمبراطورية التركية، فضّل الرئيس أردوغان الوقوع في الخطأ ذاته الذي وقع فيه أتاتورك ويتمثل بسوء الفهم، الذي يفيد بأن الإمبراطورية العثمانية مهما كانت أوجه قصورها ككيان استبدادي، فقد كانت مهداً للحضارة والرخاء والانفتاح والسلام، وكانت تحظى بإعجاب العالم كله، ولم تكن ملاذاً للمجرمين ضيقي الأفق من دعاة الطائفية والمذهبية والانفصال والقمع.