خالد الروسان

الصين وأمريكا بعد كل الشدّ والسحب ستجلسان وتؤسسان وترسيان نظاماً دولياً جديداً

لم يرُق لعدد من الروس مسألة تبعية بلادهم مستقبلاً للصين، تحت أي صيغة أو مسمى، فالمشاعر القومية المبنية على مكانة دولتهم العظمى، والتي حكمت العالم الحديث لعقود مناصفة مع الأمريكان وربحت حروباً عالمية - تأبى تحمّل أو حتى تخيّل مثل خيار كهذا.

لكن على المستوى الرسمي فإن الرؤى والسياسات والحسابات تختلف، ففي العلاقات الدولية لا أحد يحب الآخر، حيث الصراع والتنافس، وحتى التعاون والتنسيق والتحالف قد يكون رغماً عن الأطراف، حيث يعتقد كل منهما أن مصالحه تحتّم عليه ذلك تحت أي صيغة كانت.

ففي الحالة الروسية ـ الصينية، وهي مليئة بنقاط الخلاف والقضايا الشائكة والعالقة تاريخياً وجغرافياً واسترتيجياً وأمنياً وعسكرياً، يحدث لها اليوم تطور كبير، حيث التعاون والمناورات المشتركة والتكتلات القارية والعالمية وتبادل الخبرات المختلفة والاتفاقيات الاقتصادية، والتي نتج منها زيادة في حجم التبادل التجاري بينهما قد يصل حاجز الـ (100 مليار دولار).

لكن ما الذي يجعل روسيا تتجاوز ولو مؤقتاً نقاط الخلاف هذه، وتدفع باتجاه تطوير العلاقات الثنائية والتحالف بينهما؟

إن موسكو تدعم بقوة فكرة منافسة الصين لأمريكا، لكنها في الوقت ذاته لا تحبذ ولا ترغب في أن تكون الصين هي القوة الأولى في العالم، أو المتزعمة الأحادية للنظام الدولي وإنما تدفع باتجاه وجود قطبين كبيرين في العالم - خصوصاً أنه أمر واقع لا مفر منه بالنسبة لها خصوصاً بعد أن بدأت الصين تنتقل من مرحلة النسخ، والتقليد في الإنتاج إلى مرحلة الريادة والابتكار وبراءات الاختراع - لتمارس بعدها كقوة عظمى وقطب ثالث محاولة اللعب على الحبلين كما يقال، مستغلة التنافس بينهما لتحقيق مصالحها، خصوصاً أنها تعي تماماً أن الصين وأمريكا بعد كل الشدّ والسحب ستجلسان في النهاية وتؤسسان وترسيان نظاماً دولياً جديداً تتزعمانه بما يخدم مصالحهما دون النظر لمصالح بقية العالم، وهذا ما يعتقده كذلك الأوروبيون واليابانيون والهنود وغيرهم.

من هنا، فإن موسكو تقف خلف بكين داعمة لها لإحداث التوازن مع واشنطن والغرب، متأملة بعدها الاستفادة من هذا التنافس بينهما، خصوصاً أنهما بحاجة إليها ترجيح كفة الصراع، لكن يبقى سؤال: هل تنجح روسيا في ذلك؟

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟