فاطمة اللامي

شئنا أم أبينا، بات العنف ظاهرة عالمية، وجُلّ ما كان يخصص لمشاريع التنمية في العالم بات ينفق على برامج مكافحة الإرهاب.
الإرهاب الدعوَشي، الذي يتمدد كل يوم مستهدفاً مناطق آمنة ويعبث بها ويجهز على كل مقوماتها المادية والتاريخية والثقافية لاستلاب أمنها الاجتماعي والنفسي ورُقيّها الاقتصادي والثقافي، هو جريمة منظمة لتفكيك المجتمعات وتحويلها إلى كانتونات بدائية مصغرة سهلة الاقتياد، وتحريف منظومتها التاريخية والعقائدية والاجتماعية.

فالشاهد، أننا نراوح بين معسكرين أو منظومتين متضادتين، تحكمهما ضوابط لا تمت لبعضها بصلة، تقود كل واحدة منها منظومة إعلامية نشطة استطاعت أن تطغى على مكونات إنسانية وتنويعات اجتماعية باتت تكافح التهميش، تحارب لأجل خلق توازناتها الطبيعية والوجودية بين هاتين المنظومتين أو المعسكرين اللذين يسيطران على توازنات العالم بشرقه وغربه هما: المنظومة الاستهلاكية المادية، ومنظومة الإرهاب الجديد المستتر برداء الدين.

في ظل هاتين المنظومتين الطاغيتين اللتين تقاسمتا حيوات المجتمعات وتغلغلتا كالداء في صلب النسيج الاجتماعي، تراجع المشهد الثقافي، بل والمشروع الثقافي برمته، وأصبح طريح غرفة الإنعاش، فالفئة المثقفة باتت مستهدفة وأكثر معاناة على أكثر من صعيد، سواء في مساهمتها في إعادة الحياة إلى مشروعها الخاص من كتابة، ونشر وبرامج، أو حماية نفسها من الانزلاق في رهانات غير محسوبة بين هاتين المنظومتين الشرستين.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟

لذا، يبقى الاشتغال والانشغال بالثقافة وروافدها، والعناية بحقوق المثقف، وإبراز دوره في تطور المجتمع وترقيه فكرياً ومعرفياً وجمالياً، هو المشروع القومي الحضاري الأهم، إذا ما اعتبرناها هي معسكرنا الثالث الآمن الذي نستطيع من خلاله المحافظة على توازناتنا الفكرية والاجتماعية.