د. انتصار البناء

حريقان كبيران يهددان مصير البشرية للسنوات المقبلة، الأول حظي باهتمام قليل ومضطرب، وهو حرائق غابات الأمازون الماطرة في دول أمريكا الجنوبية، والثاني رصدته وكالة ناسا الفضائية، وبينت أنه أكبر وأخطر من حرائق الأمازون ويقع في غابات الكونغو بأفريقيا، التي لم تحظ بأي تغطية إعلامية أو حتى أدنى اهتمام دولي، علماً بأن تفاقم قضايا البيئة لا يقل في خطورته عن مخاطر الحروب وآثارها التدميرية.

يصعب تجاهل الحالة الغريبة لمعالجة أزمة حرائق الأمازون، خصوصاً موقف الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، الذي أشغل الرأي العام الدولي بخلافات لا معنى لها مع الرئيس الفرنسي، وماطل في قبول المساعدات الدولية لإطفاء حرائق الأمازون.

بعض القراءات تشير إلى أن حرائق الأمازون زادت بنسبة 85 في المئة في عهد الرئيس اليميني بولسونارو، وأن سياساته تجاهلت عمليات القطع الجائر للأشجار وتحويل الغابات إلى مزارع ومراعٍ وطرق عامة، ما يفتح ملفات الاستثمار في المناطق الطبيعة مثل: غابات الأمازون التي يعول عليها العالم في إنتاج الأكسجين والحد من الآثار الخطرة للتغير المناخي.

واشتعال الحرائق في الغابات الكبيرة أمر طبيعي في مواسم الجفاف واشتداد الحرارة، لكن أصابع الاتهام تتوجه إلى شركات ومنظمات ودول تسعى للاستحواذ على تلك المساحات الكبيرة بطبيعتها الجغرافية والمناخية للاستثمار الاقتصادي في الزراعة والصناعة والبنى التحتية، وقد ذكر كثير من السكان المحليين في الأمازون أنهم شاهدوا أشخاصاً يتعمدون إشعال الحريق ويمنعونهم بالقوة من إطفاء الحرائق.

ولا تحظى قضايا البيئة بالدعم السياسي العالمي الكافي لأسباب جوهرية، منها: إن الدول الغنية هي المتسببة بالنسبة الغالبة في الدمار البيئي، وإن الدول الفقيرة، في المقابل، لن تتبنّى الإحساس بالذنب تجاه جرائم لم تقترفها، ولن تنتهج سلوكيات بيئية تقشفية تكفر بها عن جرائم الآخرين.

والمتتبع لإرهاصات أزمة التغير المناخي وتداعياتها، لا يخالطه الشك في أن أخطر سُلطة خارجة عن القانون، هي السلطة الكونية الكبرى لرأس المال، التي تمثلها السياسات الحكومية للدول الصناعية الكبرى، والشركات الصناعية العملاقة، والشركات العابرة للقارات.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


تلك الجهات التي، وفي سبيل استمرار إنتاجها ونفوذها واستحواذها على مقدرات العالم، لا يعنيها ثقب الأوزون وارتفاع درجة حرارة الأرض، ولا أكسجين الأمازون ولا التوازن الطبيعي في حوض الكونغو، بل إنها لا تهتم بخطورة اتساع رقعة الحروب أو تفشي الأمراض أو منع عدالة توزيع الغذاء والماء في العالم.. إنها سلطة لا يعنيها حال الكرة الأرضية ومستقبل البشرية بعد مئة عام من هذا التدمير المننهج للبيئة.