سارة المرزوقي

نعيش اليوم في عالم مفتوح، سريع التطور في شتى المجالات، يتميز بالزخم المعلوماتي وبإمكانية التواصل مع الآخر بكل يسر، وبفضل هذا الانفتاح الكبير صار التعرف إلى الثقافات الأخرى أمراً ممكناً ومتاحاً، وصارت التعددية الثقافية ظاهرة من ظواهر العصر الحديث، ومؤشراً من مؤشرات التحضر، فكيف نتعامل معها؟

تتميز قيادتنا الرشيدة في دولة الإمارات بسعة الاطلاع وبُعد النظر، فهي ملمة بهذه الظواهر وأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتسعى إلى أن يكون شعبها وشبابها على نحو خاص، واعياً بهذه الظواهر العالمية ومُهيئاً للتعامل معها، وبما يتلاءم مع صورة دولتنا والقيم التي تسعى إلى ترسيخها منذ عهد المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

فحين أطلق صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، شعار «التسامح» على عام 2019، لم يكن ذلك بهدف التعامل مع قشور المصطلح، كالتغاضي عن هفوات الآخرين وحسب، بل لهدف أعمق وأجلّ، وهو التعرف إلى مظاهر الاختلاف قبل التشابه في الآخر، وتقبّل هذا الاختلاف وإتاحة الفرصة للاستفادة منه بهدف التعايش، دون الشعور بالتهديد من طمس ما يخصنا، فليس المطلوب منا أن نضحي بهويتنا وننصهر في هذا الآخر، بل أن نشكل ثراء متنوعاً غايته حصيلة إنتاجية مُبتكرة ومفيدة للمجتمعات، بفضل الاختلاف والتنوع، وبفضل المحافظة على الهوية الفردية في الوقت ذاته.

إن هذا يقتضي بالضرورة أن نتعرّف إلى أساليب إدارة هذا التنوع الثقافي بشكل جاد، من المؤسسات إلى الأفراد في العائلة الواحدة، وهذا ما يتطلب حساً فنياً عالياً، تماماً كمن يحاول تنسيق عناصر متنوعة لصنع لوحة «كولاج» فريدة لا تشبهها لوحة أخرى، الأمر الذي يشير إلى أن مخرجات التعددية الثقافية في بلد ما قد لا تتشابه مع مخرجات التعددية الثقافية في بلدٍ آخر، ما يعني مضاعفة القيمة الجمالية لصنوف التعدد.

إنه من الضروري تعزيز حس الاستكشاف والإطلاع على كل المخرجات لنتقبّل هذه الظاهرة نفسياً واجتماعياً ومؤسساتياً، دون استبعاد أو إقصاء العناصر المختلفة أو محاولة تقويض مظاهر الاختلاف لتنصهر عنوة مع ميولنا وأُطرنا، فالتأطير القسري قد يستفز الممكنات اللانهائية ولن يمنعها من التكوّن بأي حال، وهو ما يؤدي إلى تفاقم المشكلات والبُعد عن أهدافنا الأسمى.


أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟