فاروق جويدة

يعيش الإعلام العربي حالة من حالات الانفصام حيث تسيطر عليه سياسة الجزر، التي يستحيل معها التنسيق في الأهداف أو البرامج أو الرؤى.

إنّ الإعلام العربي الآن يتمتع بقوة ضاربة في الوسائل والإمكانيات والموارد، ولا اعتقد أن هناك إعلاماً يمكن أن ينافس قدرات الإعلام العربي، إنّه قوة ضاربة في أكثر من مجال، فلدينا عدد من الشاشات التي تنتشر في أرجاء العالم العربي بأعداد مخيفة، وهي شاشات متنوعة ما بين الإخبارية، وبرامج التسلية، والمسلسلات والمسابقات والثقافة والفكر.

ولدينا مواقع للتواصل الاجتماعي لا توجد في أي منطقة أخرى من هذا العالم وهي التي تتنوع ما بين القصص و الأخبار والتعليقات والآراء ودوائر الحوار، لدينا صحافة ورقية مازالت تقاوم حتى الآن ظلال النهايات وأشباح الاختفاء أمام منافسة ضارية من وسائل التكنولوجيا الحديثة مقروءةً أو مرئيةً، ولدينا مراكز ثقافية وفكرية عامة ومتخصصة،وللأسف الشديد إنها بعيدة تماما عن كل مظاهر التنسيق والتكامل.

لقد وصل بنا الحال إلى حملات شرسة تشوه صورة الإسلام الدين، والعقيدة، والبشر، دون أن يكون هناك وجهة نظر تكشف الحقائق وتعرى الأكاذيب.

إن الغرب بكل وسائله الإعلامية شوه الإنسان العربي في كل تفاصيل حياته، فصوره الإرهابي القاتل المتوحش، ولم تكن هناك وجهة نظرة أخرى تكشف هذه المؤامرات ضد المسلمين والإسلام.

إن القضية الأخطر هي حالة الانفصال بين القوى الإعلامية العربية لأنها تعمل بمنطق الجزر، حيث لا تنسيق بينها بل هناك وسائل إعلام أنفقت الملايين على تدمير الإنسان العربي كما فعلت قناة الجزيرة، وقنوات الإخوان المسلمون، وكان هدفها الأساسي، هو تشويه كل شيء بكل الوسائل.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


لقد كان دور قناة الجزيرة في تدمير العراق أخطر من الصواريخ الأمريكية التي انطلقت إلى بغداد، بل أن شاشاتها كانت تقدم كل ليلة وجبة مسمومة للمشاهد العربي عن خسائر بغداد وتدمير كل شيء فيها.

إنّ الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي شاركت في تشويه العلاقات بين الشعوب العربية، وقد شهدت الساحة معارك ضارية بين فصائل عربية في مناسبات مختلفة كانت تؤكد غياب التنسيق وغياب المسئولية.

إن الأغرب من ذلك أن وسائل الإعلام العربية اكتفت بشعبها، ولم تعد تتحاور مع أحد، فهي تُكلم الآن نفسها فلا حوار مع الآخر، ولا تنسيق مع مصادر أخرى، فكان من نتائج هذا الانفصال، أنّ الإعلام العربي لم يعد مؤثرا خارج حدود أوطانه، بل فقد التأثير داخل حدوده أمام غياب المصداقية والأمانة.

إنّ ما يدبر الآن من مؤامرات للعالم العربي في كل قضاياه يتطلب وقفة إعلامية عربية بكل إمكانياتها ووسائلها، فقد أصبح الإعلام الآن من أخطر أساليب المواجهة بين الشعوب في الفكر والسياسة وقضايا الشعوب، وفي ظل غياب التنسيق بين تخسر الشعوب العربية جانبا مهما وخطيراً من قدراتها في كل المعارك.