مالك العثامنة

لا يوجد معنى للديمقراطية دون وعي مجتمعي بجميع عناصرها ومفاهيمها ومكوناتها التاريخية، وبدون هذا الوعي المجتمعي الشامل قد تتحول الديمقراطية نفسها من نهج حياة إلى أداة فساد وإفساد.

الأخطر هو الترويج لأدوات العمل الديمقراطي وتفعيلها في مجتمع تعرض وعيه للتشويه حد المسخ، بسبب الفقر والقهر وموروث ضخم من العادات والتقاليد والتطرف الديني، لتصبح تلك الديمقراطية ببساطة أداة يطعن فيها المجتمع خاصرته بخنجر لا يمكن القول إلا أنه يمثله حسب المنطق الديمقراطي.

في الأردن، كثيراً ما يعلن الملك عبدالله الثاني عن طموحه بالوصول إلى الدولة، التي يترأسها وكل سلطاتها، إلى مرحلة الحياة الحزبية، بحيث يكون في المشهد السياسي ثلاثة أو أربعة أحزاب منتخبة للبرلمان، وهي التي تفضي إلى رئيس وزراء منتخب برلمانياً، وهو طموح شرعي ومشروع، لكنه بعيد عن الواقعية ويصبح المنطق فيه حيلة التفافية إذا لم تتوفر أهم معطيات نجاح الوصفة المطروحة، وهو الوعي المجتمعي والسياسي، وهو ما تعرض للمسخ حتى صارت نتيجة الديمقراطية (وعلى أرض الواقع فعلاً) ليست أكثر من أداة فساد وإفساد، باسم الشعب نفسه.

كيف يمكن الخروج بحياة حزبية فقط من خلال تغيير تشريعات وقوانين الأحزاب أو الانتخاب؟.. تلك أدوات منهجية يجب أن تستند إلى وعي تشريعي غير الوعي الاجتماعي الذي يفرز الوعي التشريعي أساساً.

في دولة يسخر الناس (الناخبون أنفسهم) من مجلسهم كل يوم وكل ساعة، وفي دولة يتحدث الجميع عن الفساد الذي صار مؤسسة رسمية أو على الأقل برعاية رسمية، وفي دولة لا يتورع فيها نائب برلماني أن يستأجر سيدات أميات أو جاهلات للخروج بمظاهرة مصورة بالموبايل لمواجهة مظاهرات المعلمين المطالبين بحقوق تسوية أوضاعهم المالية الرديئة، وهي الدولة ذاتها التي تعرض وعيها المجتمعي للتشويه منذ تردت حالة التعليم فيه بكل مستوياته وبمنهجية إفساد مدروسة.

أعتقد جازماً أن طريق الملك عبدالله بتحقيق طموحه في الدولة الديمقراطية (وهو طموح مشروع وجميل) يبدأ من حيث ترى مؤسساته الخصومة، أعني حيث التعليم وقطاعه الواسع والكبير، والبدء بطريق الديمقراطية الطويل والمنهجي والعميق من هناك، بترسيخ دولة المؤسسات في وعي الجيل القادم، وهذا لا يتأتّى بدون حاضنة تعليمية محترمة ومكتملة الأركان، بدون فذلكات التدخل في منظومة التعليم الأردني بمشاريع وهمية غير واقعية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


الديمقراطية والفساد لا يلتقيان، وإن تم اللقاء فالفساد قادر على تطويع الديمقراطية لتعطي كل هذا الفساد شرعيته للاستمرار باسم الشعب الغائب.