بقلم: حمزة أبو الرُّب مشارك في برنامج القيادات الإعلامية العربية ـ الأردن

حسناً.. ها أنا أقول لكم منذ البداية إنني لستُ شاعراً عظيماً كما كان امرؤ القيس أو عنترة بن شداد، ولا مؤلفاً موسيقياً ألحن وأعزف كما بتهوفن أو موزارت، كلا، ولا حتى فيلسوفاً شهيراً محبّاً للحكمة كما كان أرسطو الإغريقي أو سقراط.. إذاً من أنا يا تُرى؟

لربما أنا بوذا «العالم المستنير الذي أفاق من نوم الغفلة، ورقدة الجهالة، وعرف سرّ الحياة المعقدة وغايتها ومآلها»، وربما لا أكونُ بوذا، فلست على يقين من نظرتي الطوباوية المثالية للنواميس الكونية.. كما أنني لست من عشاق أحلام اليقظة، حيث أبني خلالها قصوراً وآمالاً في الهواء سرعان ما تصبح سراباً عند أول صخرة تصطدم بها في الواقع، إذاً من أنا إذا لم أكن كل هؤلاء؟

هل أقول إنني عدمي ضائع بلا أمل، تائه في دروب الحياة كما كان الشاعر والفيلسوف العربي أبو العلاء المعري أو الكاتب الروماني إميل سيوران؟ كلا، كلا.. لا أعتقد ذلك، فلم أصل بعد إلى هاوية إهمال مسألة الوجود الإلهي، وبأنه سواء أكان موجوداً أم لا فلن يغيّر هذا من قيمتنا مثقال شيء، ولا إلى حافة الغرق في وحل اليأس والعبثية التي ترى أن وجودنا غير حقيقي ولا غاية له، وأن لا أخلاق مثالية إلا في مصنع العقل الإنساني، حيث يتوهم وينسج خيوط الخير والشر ويفصلها بناءً على رغبات ومصالح شخصية آنية ونسبية.

إذاً.. يا أنا، من أنا إذا لم أكن شاعراً ولا موسيقياً ولا فيلسوفاً إغريقياً ولا عدمياً سوداوياً ولا حتى سريالياً كافكاوياً؟

يبدو أنني أجهل من أنا، وإلى أين سيقودني هذا التفكير المتواصل في النفق المظلم من الحياة.. فما بين الوجود والفناء تتذبذب الأشياء، وما بين ظلمة الرحم إلى ظلمة القبر تعبر قوافل الأحياء، وما بين قهر الفقر وسلطة الأغنياء تتفجر الثورات وتقطع الأشلاء، وما بين كل هذا وهذا وآلام أخرى كثيرة، نركض حيارى فوق أمواج الحياة الهائجة والمتقلبة، على أمل ألا نغرق في هذه الفوضى المرعبة من التساؤلات، وأن نصل إلى حدود الموت حاملين معنا تذاكر نجاتنا وعبورنا للجهة الأخرى في حقائب مثقوبة تسربت منها وإليها كل صنوف الشك والعذاب.

أخبار ذات صلة

مقاومة التشتت الجغرافي-الاقتصادي.. كيف يحدث؟
فلتتوقف الحكومات عن خفض أسعار البنزين!


منذ أول وهلة قذفنا فيها من العدم إلى هذا العالم بدأت رحلتنا الطويلة والشاقة في خوض غمار ما نحن فيه الآن، لكن ما هو تحديداً هذا الذي نحن فيه الآن؟ لا أحد يعلم حتى لو قال أحدهم بأنه يعلم.. إنه السؤال الذي لا إجابة حقيقية له نعرفها، إلا بعد أن يوارى أحدنا في مثواه فيكتشف كل شيء، أما قبل ذلك، فكل إنسان يرى منظر الوجود مختلفاً من شرفة مأواه، وكل قلب يميل حسب هواه، وكل عين تغض الطرف عما تخشاه، كما أن كل حبيب يغني على ليلاه.