مالك العثامنة

إيران بجمهوريتها الإسلامية، معادية لتاريخ جغرافيتها قبل أن تعادي جوارها كله، وتلك أول قواعد فهم الحالة الإيرانية بما أن الحديث كله في فضاء الإعلام والمنطقة عن إيران.

جزء من المشكلة، أننا في دوائر نخب المحللين والكتاب، لا نكلف أنفسنا عناء البحث في المسألة الإيرانية، وهي مسألة تتجاوز خلافنا «الإقليمي» متشابك المصالح وبالغ التعقيد، فإيران المنغلقة على ذاتها منذ انطلق الخميني كرصاصة آتية من القرن السابع لتستقر في قلب القرن العشرين، على حد وصف الراحل محمد حسنين هيكل، غلفت كل حضارتها وثقافتها بالمقدس الديني تحت عمامة ولاية مطلقة للفقيه، مثلما غلفت نساءها فائقات الجمال بالتشادور الأسود القادم من كربلائيات بعيدة عنها وعن روح ثقافتها.

إيران، ليست الخميني وورثته، وهي كذلك ليست الوريث الشرعي لقضية التحكيم بين الإمام علي وخصمه الخليفة معاوية، وإيران أيضا ليست فراغا جغرافيا خاليا إلا من حوزات قم ومشاريع النووي وحسب! نعم، هناك شعوبية فارسية ما تكره العرب، وهي شعوبية يملكها العرب أنفسهم تجاه شعوب أخرى كثيرة؛ لكن في الوقت نفسه فإن الإيراني «اليوم» غريب عن واقعه السياسي الراهن، ودليله هو هذا الانفتاح الهائل الذي تعكسه الآداب والفنون الفارسية على مختلف مستوياتها.

إن الخلاف بين واشنطن «الجمهورية الإسلامية» وواشنطن، ليس أيدولوجيا بقدر ما هو تناقض مصالح، وهو خلاف بدأ ينعكس على تحالفات طهران نفسها، وهو الملموس في الموقف الروسي المتراجع بوضوح عن دعم إيران في سوريا، وقد ثبتت موسكو مصالحها في المياه الدافئة وحققت حلمها التاريخي منذ بطرس الأكبر.

العناد الأوروبي «في اتحاده الاقتصادي في بروكسل» المتمثل في التوافق نسبيا مع إيران ومواجهة رفض واشنطن هذا العناد منطلقاته أيضا مصالح، ويمكن العودة ببساطة إلى الموقع الإلكتروني الرسمي للاتحاد الأوروبي وقراءة استراتيجية الاتحاد المعلنة، والتي صدرت في صيف عام 2016 عقب توقيع الاتفاق النووي الشهير مع واشنطن، لنعرف حجم المليارات الضخمة التي ستستفيد منها شركات أوروبية عملاقة، أغلبها في ألمانيا وفرنسا! إيران «الجمهورية الإسلامية» معادية لتاريخ جغرافيتها قبل أن تعادي جوارها كله، وبقاء نظام العتمة في طهران يعتمد على تصدير أزماته لا ثورته، والبحث عن المصالح يتطلب فهما أكبر للشعب الإيراني، والبحث عن نقاط تقاطع معه، لتخليصه وتخليص الإقليم من سيادة أوثوقراطية دينية، تتوسع على ذمة الوهم المقدس، وجغرافيا الأوطان المستباحة بلا رادع أكثر عمقا من مواجهات عبثية تخدم الملالي وسلطتهم.


أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟