د.عماد الدين حسين

على شُرفة التطلعات، وما منحته لنا التجاربُ من خبرات، نستجمعُ اليومَ المشهدَ بنظرةٍ فاحصةٍ شاملةٍ لمن حصد النجاحاتِ وحاز التفوّقَ والتميّز القيمي بعد طول مثابرة واجتهاد، لنجد أن وفاءهم بوعودهم، واحترامهم توقعاتِ الآخرين، وحرصهم على استدامة قيمهم، ونبل أفعالهم، وسلامهم الداخلي، وتصالحهم مع ذواتهم، وحملهم رسالة الإحسان في رحلتهم الأرضية، وقوة الفعل وصدق القول وسلامة النوايا، هي درجات السّلم الذي ارتقوا عليه لأسمى معاني الإنسانية رغم ما لاقوه في رحلة الصعود من تحديات.

لطالما أثبت أصحابُ الذاتِ القويةِ الإيجابيةِ أن نجاحاتِهم العلميةَ والعمليةَ والمجتمعيةَ لم تكن بدعًا من القول، فالمبادئ في قاموسهم ثباتٌ، والقيم رسوخٌ، والعطاء التزامٌ، هم من تصدّوا لما قد يتسلّل للنفس البشرية من أطماعٍ بأذرع المصداقية والشفافية واحترام العقول، هم من عَبَروا للآخر سيرًا على جسور الثقة وليس عبر الطرق الملتوية، هم من بنوا علاقاتٍ مستدامةً بوعدٍ فاتفاقٍ فتواصلٍ فالتزامٍ فثبات.

على الضفّة الأخرى ما زال البعض يراهن على مواقفَ استغلاليةٍ وأقوالٍ استهلاكية ووعودٍ لا تجاوز الحناجر، ونظرة ماديّة واهية، يعيشون حالة انتصارٍ وهميّة باعتقادهم أن الاستغلال بطولة، وأن الآخر فريسةٌ سائغة، وأنّ الكلماتِ سلاحٌ فتّاك سهلُ الاستخدام ينالُ به مآربه، ويهدم آمالَ الناس وتوقعاتِهم منه.

وما بين العالَمين، الواقعيّ والافتراضيّ، تتنامى ظاهرةُ الاحتيال المجتمعي، وتجارة الأماني ونكث العهود، وصناعة الوهم والتنكُّر للقيم، ومجافاة الثوابت، لتواجه جودة العلاقات الإنسانية أزمة خطيرة تتولد عنها صدماتٌ نفسيةٌ وشعورٌ متزايدٌ بالإحباط، والرغبةٌ في انعزال تام نسمعه في بوح أو صمت أو فرار بعد انكسار وخذلان.

إلى المبدعين في عدم احترام العلاقات والتوقعات، والتذاكي المفرط والأنانية واللهث نحو المجد الزائف بقناع الغاية تبرر الوسيلة، لا تغرقوا كثيرًا بتجارة الأوهام وتسويف الوعود والتنكُّر لأصحاب الحقوق، خاصة مع من هم بمقام الآباء أو رفقاء الدرب أو أساتذة أجلاء أو زملاء وأصدقاء أغدقوا عليكم دررًا معرفية وخبرات حياتية ومهنية، ومنحوكم جلَّ ثقتهم ووفيرَ عطائهم، حتى لا تفقدوا ما تبقى من إنسانيتكم.

فما أشقى أن يستفيق أحدُهم بعد رحلة بيع الأوهام بنسج الكلام، والوجود العابر على معابر النفعية، ليجد ذاته في عراء التيه وشتات الخاسرين المنبوذين بعد أن خان عهده، وفقد ثقة من خذلهم، ولم يحترم عقلهم ويرتقي إلى رقيهم وتوقعاتهم.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟